على مدار الشهور الماضية كانت قيادة السلطة الفلسطينية تحذر من أن تكون "صفقة القرن" في قطاع غزة، وتؤكد بعض قياداتها أنه "لا دولة في غزة ولا دولة من دون غزة"، لكن يبدو أن الأمور جاءت على عكس توقع وتقدير قيادة السلطة التي لم تستعد لمواجهة الصفقة، فلم تتخذ أي فعل على الأرض يدلل على جديتها في مواجهة صفقة القرن، أبرزها عدم الوحدة مع الفصائل الفلسطينية والاستمرار في الاستفراد بالقرار السياسي.
قبل عدة أيام تحدث المحلل السياسي الأمريكي دانيال بايبس في مقال له في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن صفقة ترامب تركب الدولة الفلسطينية من منطقتي "أ" و"ب" في الضفة الغربية وأجزاء من المنطقة "ج" فقط، وتعطيها عاصمة قرب القدس وليس فيها، بإشراف هيئة دولية على إدارة مشتركة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تحكم المنطقة المقدسة في القدس بما فيها البلدة القديمة.
كلام المحلل الأمريكي يظهر زيف كل ما روج أن غزة ستكون الكيان السياسي لصفقة القرن، وهذا ما تدعمه حقائق موضوعية على الأرض، فالاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر قطاع غزة منذ 13 عاما، لا يمكن أن يسمح لغزة بالتوسع بأي شكل من الأشكال.
وهنا يكمن السؤال: "كيف سيسمح الاحتلال لغزة بالتوسع إن كان يعدها خطرا عليه؟"، لذا من المستحيل تفكير الاحتلال بهذا الاتجاه، فغزة مستبعدة من هذا الطرح، لامتلاكها أوراق قوة تستطيع من خلالها إفشال الصفقة، وعدم قبولها.
فالصفقة تسعى لإلغاء ثلاث قضايا أساسية؛ الأولى إلغاء الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل للفلسطينيين، والثانية إخراج القضايا الأساسية من الصراع كالقدس واللاجئين، والثالثة اعتبار أراضي الضفة متنازعًا عليها وأنه يجب التسوية فيها، لذا سيكون مكانها بالضفة كمرحلة أولى.
ربما مهدت الولايات المتحدة تمرير الصفقة بالضفة الغربية من خلال وقف مساعداتها للسلطة، وافتعال أزمة مالية باتت تعانيها السلطة التي قامت بتقليص نسبة رواتب موظفيها بالضفة لأول مرة منذ شهرين.
ومع استمرار صعود اليمين المتطرف في (إسرائيل) تثار قضايا كبيرة لم تتوقعها السلطة، مثل الحديث عن ضم الضفة، خاصة بعد الإعلان الأمريكي الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
لكن من الواضح أن قضية الضم لن تتم لكامل الضفة الغربية، لأن الاحتلال لا يمكنه تحمل تبعات تحكمه بالمدن الفلسطينية المكتظة بالسكان بمنطقتي "أ و ب"، فالسيناريو الأقرب هو ضم منطقة "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، ولا يزيد عدد سكانها على 10% من سكان الضفة، يستطيع التعامل معهم كما يتعامل مع فلسطينيي الداخل المحتل.
وهنا يمكن القول إن السلطة مقبلة على التفكك، وتحويل الضفة إلى بلديات ونظام حكم ذاتي، فالخريطة الجغرافية للضفة أصلًا تغيرت على أرض الواقع، في ظل وجود مستوطنات إسرائيلية متصلة ببعضها بعضًا، تفصل بين المدن الفلسطينية التي باتت محاصرة بمعابر خارجية يتحكم الاحتلال بها.
هل ستنتهي السلطة؟ هذا السؤال الذي يدور في عقل كل قائد في السلطة الفلسطينية حاليا، هم يدركون حقيقة الخطر القادم على السلطة، لأنهم جلبوا هذا الخطر لأنفسهم، بدءًا من عدم التوحد مع الكل الوطني الفلسطيني، والاستفراد بالقرار السياسي، وعدم تصحيح مسار و"خطيئة" أوسلو، والاستمرار في هذا المستنقع دون الخروج منه.
الأمر الغريب والذي يحير العقل، هو إصرار رئيس السلطة محمود عباس على المفاوضات مع الاحتلال، واستعداده للقاء رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، معأن الأمور على الأرض ومن خلف الكواليس وفي الغرف المغلقة تغلي، وتهدد القضية الفلسطينية بل تلتف حول عنقها، في حين تقوم هذه القيادة بسذاجة كاملة بالتعاطي مع هذه الوقائع الخطيرة، ببلادة ودون تحرك، كشخص ينتظر التفاف حبل المشنقة على عنقه، وهو يملك فرصة للنجاة ويرفض هذه الفرصة.
أمام السلطة قاربان أحدهما يمكنها النجاة به بالتوحد مع الفصائل، وحماية القضية الفلسطينية قبل فوات الأوان، والثاني قارب إن استمرت به ستغرق وستنتهي وستتحول لبلديات، وأجهزة أمنية لها دور وظيفيفي كل محافظة، ربما ينتهي تمثيل قنصلياتها في العالم، ويتغير كل المشهد السياسي الفلسطيني.