انطفأ وهج نجوم رياضية فلسطينية كانت تلمع في سماء الألعاب الرياضية في قطاع غزة، و تحلم بأن تحلق على المستويين العربي والعالمي يومًا ما، بعدما أفنوا حياتهم في التدريب استعدادًا لمواكبة استحقاقات محلية وعربية ودولية، أسعدوا الجماهير ورفعوا اسم فلسطين في المحافل الرياضية، وتقلدوا ميداليات ورفعوا كؤوسًا، هي الآن معلقة على الجدران أو مدفونة تحت ركام بيوتهم، لتنهي مسيرة الرياضة الفلسطينية بعد تدمير 90% من المنشآت الرياضية، التي تحول معظمها لمراكز اعتقال لجيش الاحتلال أو مقابر جماعية قبرت أحلام اللاعبين.
خلال الحرب تحولت مئات الملاعب الرياضية في قطاع غزة، إلى ساحات رملية فارغة جرفت آليات الاحتلال الإسرائيلي عشبها الأخضر وتوقف صدى الجماهير التي كانت تملأ مدرجات الملاعب والصالات الرياضية وتمارس حقها في اللعب ومؤازرة فرقها وسط حصار استمر 17 عامًا تحلم يومًا أن يلعب منتخبها الفلسطيني مبارياته في ملاعبها بدلاً من إجرائها في دول عربية مجاورة فقد المنتخب أصوات الجماهير الفلسطينية طيلة سنوات عديدة، ويبدو أن الحلم أصبح بعيد المنازل بعد هذا الدمار، فامتلأت ساحات الملاعب بخيام النازحين.
من أماكن ترعرعت فيها أحلام اللاعبين بالوصول إلى النجومية والاحتراف على المستوى العالمي، إلى أماكن للاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل، تحولت تلك الملاعب لمقابر جماعية دفنت أحلام لاعبي كرة القدم والرياضات الأخرى، فتوقف النشاط الرياضي وتوقفت مسيرة أجيال رياضية استمرت عبر عقود زمنية طويلة.
في يناير/ كانون ثاني 2024، أصبح ملعب اليرموك التاريخي بمدينة غزة والذي أنشيء في خمسينات القرن الماضي مكانا استخدمه جيش الاحتلال لاعتقال أبناء الشعب الفلسطيني، وإهانتهم، وتقييدهم لساعات طويلة، كان من بينهم رياضيون لعبوا على أرضية الملعب المعشب، والآن يجلسون على ساحاته الرملية بعد التجريف، ينظرون بحسرة لما يجري، بعدما كانت الجماهير تهتف بأسمائهم، وتتغنى بنجوميتهم التي لا تعني أي شيء لجندي إسرائيلي يقف مشهرًا سلاحهم تجاههم.
لم يتخلَ جيش الاحتلال طوال الحرب عن فكرة جعل الملاعب ساحة للاعتقال، ففي جباليا شمال قطاع غزة، تحول نادي خدمات جباليا لساحة اعتقال وثكنة عسكرية لجنود جيش الاحتلال خلال اجتياحه الثالث للمخيم في أكتوبر/ تشرين أول 2024، وهذا الملعب الخماسي كان يستضيف ألعابا عدة ككرة الطائرة وكرة اليد والسلة وكرة القدم الخماسية.
منذ أن كنت طفلاً صغيرًا أسكن بجوار ملعب اليرموك الرياضي بمدينة غزة، وهو أحد أقدم الملاعب التاريخية بالمدينة، كان صوت الجماهير قبل انطلاق موعد المباريات بساعة أو ساعتين يبعث في النفس روح الأمل، بأن هناك حياة تنبض، وأحلاما لم تمت، كان يشدني الصوت للذهاب ومشاهدة المباريات ومن ثم الانخراط في أحد الأندية واللعب في الملعب ذاته لعدة سنوات، فكان الوقوف على أرضيته حلمًا تحقق، كما كان حلم الكثير من اللاعبين، ثم مرت سنوات وأصبحت أحضر أطفالي لمشاهدة المباريات، وكانت المباريات تعبير عن استمرار الحياة، وخلق روح التنافس بين الفرق، وديمومة النظام الرياضي.
منذ حرب الإبادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين أول 2026 قتل جيش الاحتلال نحو 500 رياضي فلسطيني، بينهم نحو300 لاعب كرة القدم، في عملية إبادة للرياضة الفلسطينية في قطاع غزة بقتل نجومها من لاعبين ولاعبات من كافة الألعاب الرياضية، كحال المجالات الأخرى.
وتعرضت الملاعب والمنشآت الرياضية التي يفترض أن تكون محمية بموجب القانون الدولي لدمار هائل، إذ دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي 90% من تلك المنشآت، فنحو 42 منشأة رياضية تعرضت للتدمير بشكل كامل، كذلك 300 ملعب خماسي لكرة القدم دمرها الاحتلال، ودمر وفق إحصائيات رسمية، 40 مركزا لرياضة كمال الأجسام، و4 صالات مغطاة للألعاب الخماسية في بيت حانون وخدمات جباليا، والصداقة، وغزة الرياضي، والأهلي.
بالإضافة لذلك دمر جيش الاحتلال مقري اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم، ومقر اللجنة البارالمبية ومقر المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وتدمير العديد من الملاعب التدريبية، فضلا عن تحويل ملعب رفح البلدي إلى مستشفى ميداني.
ورغم كل الدمار الذي ألحقه جيش الاحتلال بالرياضة الفلسطينية، إلا أن الهيئات الدولية لم تستجب لنداءات فلسطينية وعالمية رياضية دعت لمعاقبة (إسرائيل) على جرائمها بحق الرياضيين الفلسطينيين، ورفضت الاتحادات الدولية طلبات بمنع (إسرائيل) من المشاركة بدورة الألعاب الأوروبية التي أقيمت في فرنسا، بل إن اللجنة المنظمة سمحت برفع العلم الإسرائيلي ورفضت رفع العلم الفلسطيني خلال افتتاح دورة الألعاب رغم مشاركة وفد فلسطيني، في ازدواجية معايير وانحياز سياسي واضح أقحمته في غمار اللعبة الرياضية.