لا تخفي الإدارة الأمريكية رغبتها بممارسة مزيد من الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وربما إزاحته، بعد أن أهان رئيسها دونالد ترامب بقوله علانية "يخرب بيتك"، وشتيمته للسفير الأمريكي في تل أبيب ديفيد فريدمان بوصفه إياه "ابن الكلب"، بجانب حجم التشويه الذي يوجهه المسئولون الفلسطينيون ضد طاقم المفاوضات الأمريكي.
هذا على الصعيد الأمريكي، أما في الجانب الإسرائيلي، فإن جهاز الأمن العام "الشاباك"، يبذل جهودا لتقوية عباس، وهو ما يعد من أوجه الخلاف النادرة بين واشنطن وتل أبيب، في الوقت الذي تتفقان فيه في العديد من الملفات.
لقد ردت واشنطن على رام الله باستخدام مفردات قاسية من قبل المسئولين الأمريكيين ضد رموز السلطة الفلسطينية، وتهديدهم بكشف نفقاتهم المالية أمام الجمهور الفلسطيني، مما يعني بالضرورة أن إدارة ترامب تسعى لإيجاد قيادة فلسطينية بديلة، بالعثور على قواسم مشتركة بين العرب واليهود في الضفة الغربية.
لم تعد هناك كثير من الشكوك بأننا أمام واقع جديد يهدف لحفر نفق تحت أساسات سلطة عباس، في الوقت الذي يبذل الشاباك الإسرائيلي جهودا حثيثة لتقويته بكل ثمن، مما يتطلب الإجابة عن سؤال حول موقف حكومة اليمين الإسرائيلي، وأين تقف من هذه التطورات.
وفيما تعلن الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها، والحكومة القادمة قيد التشكل، أنها على شبه قطيعة مع السلطة الفلسطينية، لكن المنظومة الأمنية الإسرائيلية، خاصة جهاز الشاباك، وعلى وجه مغاير، لديهم توجه آخر، ولا يريدون التخلص من هذه السلطة، بل يواصلون إقامة علاقات الصداقة مع مسئولي السلطة الفلسطينية.
لا ينفك ضباط الأمن الإسرائيليون عن إصدار تحذيرات من تداعيات انهيار السلطة الفلسطينية، والاستمرار في عزل عباس على الأمن الإسرائيلي، رغم أن "إسرائيل" مطالبة بتعزيز استمرار السلطة لأنها تحمي الإسرائيليين، وهو ما يدركه الأمنيون الإسرائيليون أكثر من ساستهم.
مع العلم أن ظهور مؤشرات على أن السلطة الفلسطينية آخذة في الضعف، ويتواصل انخفاض حاد في ثقة الفلسطينيين بها، وبأجهزتها الأمنية التي تنسق مع نظيرتها الإسرائيلية، مما يجعلها تفقد شرعيتها تدريجياً، وتعتبر متعاونة مع إسرائيل.
رغم ضيق الخيارات المتاحة أمام السلطة الفلسطينية ورئيسها، فإن بإمكانه، لو أراد، أن يلقي بالكرة في الملعبين الإسرائيلي والأمريكي، ردا على سياسة العزل والتهميش التي يتبعانها ضده، ولعل أهمها أن ينفذ عباس تهديده الذي أعلنه أكثر من مرة بحل السلطة، حين قال عباس ذات مرة: "إذا لم يحصل تقدم في المفاوضات، سأتصل هاتفيا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأقول له: صديقي العزيز أدعوك للمقاطعة مقر الرئاسة برام الله، اجلس مكاني، استلم المفاتيح، وستكون المسئول عن الفلسطينيين".. فهل يفعلها عباس؟ أظنه لا!