تحدثت هذه السطور يوم أمس عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية على الواقع القائم في الضفة الغربية، واليوم ستنتقل للحديث عن تبعاتها في قطاع غزة، مما يعني أن يكون الوضع الفلسطيني حاضرا بقوة في اليوم الذي يبدأ فيه رئيس الحكومة الإسرائيلي المكلف، بنيامين نتنياهو، مشاوراته مع الكتل البرلمانية في الكنيست، بحيث ستقدم هذه الكتل اليمينية، مطالبها واشتراطاتها في الملف الفلسطيني، التي تتوافق مع أطروحاتها الأيديولوجية.
هذه الاهتمامات الفلسطينية بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، طرحت أسئلة عديدة في الأوساط الفلسطينية جميعاً بلا استثناء، سواء السلطة الفلسطينية أو حماس وباقي الفصائل، ومنها: من فاز ومن خسر، من سيشكل الحكومة الجديدة، ومن سيكون ضمن الائتلاف الحكومي القادم، ومن سيقود المعارضة، وما هي أبرز معالم الخطوط العامة للبرنامج السياسي للحكومة الإسرائيلية الجديدة؟
فيما يتعلق بتأثير نتائج الانتخابات الإسرائيلية على الوضع الميداني في قطاع غزة، فقد أبدت حماس من جهتها ما يمكن أن يوصف تدخلا ضمنيا في الانتخابات الإسرائيلية، وإن لم تعلنه صراحة، بالتوصل لتفاهمات سياسية وأمنية وإنسانية مع إسرائيل قبل أسبوع فقط من توجه الإسرائيليين لصناديق الاقتراع، مما وفر هدوءا أمنياً بين غزة وإسرائيل، وسمح للناخبين الإسرائيليين بممارسة انتخاباتهم دون غبار الصواريخ وأصوات القذائف، وحمل رسائل ضمنية للإسرائيليين أن نتنياهو، الذي يحب أن يلقب نفسه بـ"سيد الأمن" جدير بالانتخاب مجددا، وأن يكون رئيس حكومتهم للمرة الخامسة.
هذا لا يعني أن حماس فضلت نتنياهو على خصومه الجنرالات، لكن التغذية الراجعة التي توفرت لدى الحركة في السنوات الماضية تعطيها استخلاصات مفادها أن "عدوا تعرفه خير من مجهول جديد لم تجربه"، فقد أبرمت حماس مع إسرائيل بزعامة نتنياهو صفقة تبادل أسرى كبيرة في 2011، وتعول الحركة أن تبرم صفقة جديدة برئاسة نتنياهو أيضاً لإغلاق هذا الملف المستنزف للجانبين.
كما تفهم الحركة، أن نتنياهو يقدس الأمر الواقع ضمن سياساته العامة، ما يعني أنه قد يسمح لحماس بالبقاء مسيطرة على قطاع غزة، دون التفكير بتطلعات بعيدة ومكلفة كأن يسعى للقضاء عليها، أو استئصالها، أو الإطاحة بها، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وهو ما ألمح إليه بعض خصومه الجنرالات، سعياً منهم لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
هذا لا يعني أن حماس اطمأنت نهائياً, أنها لن تتعرض لحملات عسكرية إسرائيلية ضمن الولاية الجديدة لنتنياهو، لكن يمكن استيعابها، والتعامل معها بصيغة "المعركة بين الحروب"، طالما أنها لم تصل مستوى التفكير بالدخول في حرب "كسر عظم"، وإن كان خيارًا قائمًا لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وإن بوتيرة منخفضة.