راقب الفلسطينيون، كما العديد من دول المنطقة والعالم، مجريات العملية الانتخابية الإسرائيلية، لأنها لم تعد شأنا إسرائيليا داخليا فحسب، بل شأنا إسرائيليا وفلسطينيا وعربيا ودوليا، في ظل ما باتت تتمتع به (إسرائيل) من نفوذ وتأثير كبيرين يتجاوزان حدودها الجغرافية.
ولئن حصلت العملية الانتخابية بين مرشحين وناخبين إسرائيليين، لكن الآثار المتوقعة على تلك النطاقات لن تقل أهمية عما يتأثر به الإسرائيليون أنفسهم، ممن ساهموا بفوز مرشحيهم، أو أحبطوا لهزيمة آخرين.
الفلسطينيون أكثر المتأثرين بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، وقد راقبوا مجريات فرز الأصوات، ساعة بساعة، صندوقا بعد صندوق، لأكثر من سبب وعامل، ولذلك يمكن تقسيم المواقف الفلسطينية من هذه النتائج لمستويين: السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وحماس في قطاع غزة.
فيما يتعلق بالمستوى الأول، فلا يخفي الرئيس الفلسطيني محمود عباس خيبة أمله وإحباطه من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وقد دفع الرجل بقوة، بطريقة غير مباشرة لهزيمة نتنياهو، وأعلن في عدة تصريحات ضمنية أن الإسرائيليين يجب أن يصوتوا لخيار السلام، واستئناف المفاوضات.
شهدت الأسابيع الأخيرة التي تزامنت مع بلوغ الدعاية الانتخابية الإسرائيلية إلى ذروتها، استضافة مقر الرئاسة برام الله سلسلة لقاءات واجتماعات وزيارات لوفود إسرائيلية من دعاة السلام والتعايش والتطبيع مع الفلسطينيين والعرب، وخلالها أطلق عباس والمحيطون به جملة تصريحات وبيانات صحفية كلها تذهب في اتجاه أن ينتخب الإسرائيليون أي مرشح، إلا نتنياهو، هكذا بالبنط العريض، أي مرشح إلا نتنياهو!
حتى أن السلطة الفلسطينية أقدمت على خطوة غير تقليدية بإعداد وثيقة فلسطينية بعنوان "المواقف الفلسطينية من قضايا الصراع الأساسية مع إسرائيل"، طبعتها باللغة العبرية، ووزعتها على أوساط واسعة من الإسرائيليين في محاولة أخيرة للتأثير عليهم في التصويت لدى ذهابهم لصناديق الاقتراع.
مخاوف السلطة من فوز نتنياهو مشروعة ومنطقية، ولديها ألف تفسير وتبرير، لأنها تعني الإجهاز على ما تبقى من مشروع التسوية الذي تتمسك به السلطة ورئيسها، وتعض عليه بالنواجذ، ولم تدع لنفسها خط رجعة للمناورة مع خيارات أخرى، مما جعلها تضع كل بيضها في سلة إسرائيل.
نتائج انتخابات إسرائيل تعني أنها اليوم تصرح، ولا تلمح، بأن السلطة ليست طرفا للدخول بمفاوضات، وليست جديرة بالتوصل معها لاتفاقات سياسية، مما يعني أن السنوات الماضية التي شهدت فيها قطيعة سياسية وتفاوضية بينهما، مرشحة لأن تمتد سنوات أخرى، مع الإبقاء على التنسيق الأمني الذي تستفيد منه إسرائيل دون الفلسطينيين.
نتائج الانتخابات الإسرائيلية تتطلب من السلطة الخروج بمواقف أكثر جدية، بعيدا عن التكتيك والمناورة، واللعب على الكلمات، فاليوم التالي لتشكيل الحكومة الإسرائيلية سيعني مزيدا من قرارات الاستيطان، وضم أجزاء واسعة من الضفة، الأمر الذي لن يبقي مجالا لإعلان الدولة الفلسطينية، مما يعني إعلان الموت السريري لحل الدولتين.