كثيرة هي الأسئلة التي وصلت كاتب السطور حول المنحى الذي يبدو متصاعدا في إسرائيل في الأيام الأخيرة، بإبرام تسوية مع حماس، وتفضيلها على خيار المواجهة معها، وهل يندرج ذلك في إطار القناعات الجدية، أم ضمن فرضية "الحرب خدعة"، كما دأبت إسرائيل في عدة مواجهات عسكرية سابقة، مع فارق الحالات والظروف.
لم يعد سراً أن إسرائيل تقترب من حسم خياراتها تجاه حماس في غزة، انطلاقا من موازين الربح والخسارة، سواء في خطوة الإطاحة بالحركة، وإعادة احتلال قطاع غزة، أو التسليم بوجود كيان معاد لإسرائيل تسيطر عليه حماس على حدودها الجنوبية.
تعتقد الأوساط الإسرائيلية أنه كلما أبدت حماس سياسة منطقية، فإن ذلك يسهل على إسرائيل التعامل معها، مع العلم أن الحالة مع حماس ليست أمرا جديدا تواجهه إسرائيل، فقد تعاملت سابقا مع كيانات معادية لنا في المنطقة من خلال المحافظة على سياسة ردعية تجاهها، وأحيانا التعاون البناء في بعض المجالات المدنية.
أكثر من ذلك، فإن مثل هذه السياسة تجاه الكيان المعادي لإسرائيل في غزة المتمثل بسيطرة حماس، قد يبدو الخيار الأقل سوءا للإسرائيليين، رغم أن ذلك لا يمنع نشوب أزمات عسكرية عنيفة بين حين وآخر.
مع العلم أن الشهور الأخيرة لم تشهد تحقيق إنجازات إسرائيلية واضحة، وباتت تجد إسرائيل نفسها أمام جملة أزمات متصاعدة: الواقع الإنساني الكارثي في القطاع، التوترات الأمنية مع الفصائل الفلسطينية، وجود مجموعات مسلحة صغيرة تعمل في القطاع، الخلاف المتصاعد مع السلطة الفلسطينية.
حماس من جهتها، تراقب السلوك الإسرائيلي تجاهها الذي يمتنع عن القيام بأي عملية عسكرية واسعة ضدها، وهو موقف تريد حماس منه تحسين شروط تفاوضها مع إسرائيل، وتعتبره أداة ضغط عليها، مما قد يجعل من إطلاق الصواريخ على تل أبيب خطوة محسوبة من حماس، رغم إعلانها أنه كان بطريق التفعيل الذاتي وليس الموجه، لكنها اعتبرت هذه الصواريخ أداة ردعية أمام إسرائيل تمنعها من الذهاب لحرب كبيرة، لاسيما عشية الانتخابات.
قد ينطبق على إسرائيل وحماس سياسة "الهروب إلى الأمام"، ولعل موافقة الحكومة الإسرائيلية عقب إطلاق هذه الصواريخ على زيادة الأموال القطرية، وتوسيع مساحة الصيد، ومنح المزيد من التسهيلات الإنسانية، يعطي مصداقية لتفكير حماس بهذا الاتجاه.
وجهة النظر الإسرائيلية ترى في هذا السلوك هو الخيار الأفضل، لأن القناعات الإسرائيلية باتت تتزايد بأنه في ظل الضغط المستمر على حشر حماس في الزاوية، والعمل من خلال عدة مسارات سياسية وعسكرية وأمنية للإطاحة بها، فقد لا يملأ الفراغ الذي سينجم عن غياب حماس، السلطة الفلسطينية أو أي جهة مريحة أكثر لإسرائيل.