فلسطين أون لاين

​لا سيما لو مسّت كرامته وأهليته

إهانة الزوجة "رَجُلها" أشدُّ من صفعةٍ على خَد!

...
غزة - خاص / فلسطين أون لاين

"أقولها لكَ ولستُ آسفة: أنت لست رجلاً.. أنت لا تستحق امرأةً مثلي يا عمر"، قالتها "فداء" وانطلقت تلملم أغراضها استعداداً للمغادرة إلى بيت أهلها بعد تلك المشكلة التي وقعت بينها وبين زوجها بسبب سهراته اليومية مع أصدقائه خارج البيت إلى ما بعد منتصف الليل".

هي تقول :"يعود من عمله، يأكل ثم ينام إلى قرابة المغرب، يصحو ويجهّز نفسه إلى "النبطشية" المسائية اليومية حيث السهرة عند أحدهم! يخرج فلا يعود إلا بعد منتصف الليل! صرتُ أشتهي أن أجالسه فنتحدث ونتبادل الكلام.. صرتُ لا أعرف طريقاً للرد إذا سألني ولديَّ عنه :لماذا هما لا يريانه؟ ولماذا لا يلاعبهما كما يفعل عمهما مع أولاده؟ أكابد المر معهما طوال النهار وهو وكأنه أعزب.. لا علاقة له بشيء هنا إلا أنه المسئول عن طلباتنا! يحضر الطعام والشراب والملبس لنا كأننا "دواب"، ولا يكلف نفسه أبداً أن يفكر في احتياجاتنا العاطفية :"كيف نريد أن نشعر بوجوده معنا كزوجٍ وأب"! في كل مرةٍ أفتح فيها موضوع "أصدقائه" يغضب ويبدأ بفتح جبهةٍ للشجار ملخّص نهايتها :"أنا هكذا ولن أتغير.. أنا لا أقصر فيكم، وبيتكم مأمون لأنه فوق بيت أهلي".. وعليه كان الحل في الفكاك!

في مرةٍ راجعَته فانتصر الشيطان، قالتها له :"أنت لست رجلاً" وهمّت بالرحيل لولا تدخل أهله، وطلبهم منها أن تبقى على أن يتحدثوا معه ويعدل هو سلوكه.. مرّت الأيام الأولى للمشكلة ثقيلةً جداً حيث لا يكلم أحدهما الآخر، وبدأت تظهر بعد التعديلات الطفيفة –تحت عين الأهل- على تصرفات الزوج في بيته.. هكذا حتى مرّ شهر، كانت الأمور قد حُلَّت بين الزوجين وانتهت لكن رواسبها بقيت عالقة..

هذه القصة حدثت منذ أكثر من خمس سنوات.. اليوم "فداء" أمٌ لأربعة أطفال، ولا تخلو حياتها –كأي زوجة بطبيعة الحال- من مشكلاتٍ مع زوجها بين الحين والآخر، لكن الملفت في الأمر.. أن أية مشكلة، ومهما كان سببها تتفاقم بسرعة البرق من طرف "عمر" الذي لا يستطيع رغم كل ذلك الوقت أن ينسى إهانة زوجته له في "رجولته".. فيا من تراه يردّ عليها عند أي اتهامٍ له حتى ولو كان يتعلق بكسر كوب شاي :"آه، ما هو أنا مش راجل يا فداء".. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل يختلف وقع إهانة الزوجة لزوجها عن وقع الإهانة في حال صدرت منه هو لزوجته؟ لماذا تنسى المرأة وتعض على جرحها إن أهان زوجها كيانها ويبقى الزوج محتفظاً بتلك الذكرى "كدليل إدانةٍ" لزوجته على مرّ الزمان؟ هذا ما ستجيبنا عنه المستشارة الأسرية ليلى أبو عيشة:

لأنه الرجل

ترفض أبو عيشة "الإهانة" كأسلوبٍ للتعامل في الحياة الزوجية جملةً وتفصيلاً، سواءً من قبل الزوج لزوجته، أو العكس، مبينةً أن الله جعل من أساسيات العلاقة بين أي شريكين "المودة والرحمة"، وهذا ما يستبعد كل مقومات الفرقة وعلى رأسها إذلال طرفٍ للآخر أو إهانة كرامته.

وقالت :"إن أكثر الذكريات السيئة التي تلازم الزوج ما بقي حياً إهانة زوجته له في رجولته، وكذلك العكس: إهانة الزوج لزوجته في أنوثتها وكرامتها، لكن الفرق يبقى في أن المرأة التي تحركها العاطفة غالباً تغلّب فكرة "حبه" على أي فعلٍ قد يضايقها منه فتنساه مع مرور الوقت، حفظاً لاستمرار زواجها واستقرار بيتها وحماية أبنائها من تبعات الانفصال، لكن هذا لا يحدث مع الرجل الذي أحل له الله الزواج بأربعة، والذي يشكل عامود البيت، فإن شعر بأن زوجته التي يقوم عليها وعلى أبنائها لا تعطيه قيمته وتسفه من جهوده بحقها فإن هذا سيبقى عالقاً في ذاكرته كلما حفّزته الأفعال لتذكّره".

التراجع ليس عيباً

وتشير إلى أن "الإهانة" بالاتجاهين ليست بالضرورة أن تحدث بالكلمة، فكثيرةٌ هي المشكلات التي تصنف تحت هذا البند وكانت بسبب "نظرة استخفاف" أو إشارة "تجاهل" ، وأياً كان شكل "الإهانة" فإن الرجل لا ينساها إلا مع مرور الزمن، وبجهدٍ –ليس بسيط- من قبل زوجته التي عليها أن تعود لتؤكد له احترامها لكينونته وتقديرها لجهوده وقيمته داخل بيته "فعلاً وليس بالكلام العذب وحسب".

وتزيد :"لو شعرت المرأة أن زوجها شعر بالإهانة في طيات حديثها حتى ولو تلميحاً، وعاد يذكرها بالأمر بعد وقت، فعليها هنا أن تثبت له عكس ما فهم.. إن أخبرته بأنه ليس رجلاً، زادت في خضوعها، وإن أشعرته بأنه مقصّر تحيّنت الفرص لتشكره على أي جهدٍ يفعله لأجل بيته، ولو عيّرته بشكله، لا تقصّر في التغني بجماله ولو كذباً"، مستدركةً :"والكلام موجهٌ للرجل طبعاً إن أهان زوجته في أي شيءٍ يمس أنوثتها أو كينونتها وكرامتها".

ودعت إلى تبني "ثقافة الاعتذار" فعلى من أخطأ أن يعتذر "وليأخذ الأزواج هذه قاعدةً لحياتهم تساعدهم على تجاوز الأزمات الصعبة ومنعطفات الزواج، مع ضرورة تعاون الزوج في إزالة رواسب الإشكالية من خلال الصفح الجميل والتعاطي مع شعور الزوجة بالذنب تجاه ما قالته أو ألمحت به"، محذرةً من إهانة أي طرفٍ للآخر أمام أبنائه خشية أن يأخذ الطفل تلك الإهانة "كمسلّمٍ" يتعامل به مع أمه أو أبيه "فالولد قد يتعامل مع والده الذي قالت له أمه يوماً إنه –جاهل- على أنه لا يفهم شيئاً في العلم، فيتجاهل كل تعليماته، وكل معلوماته التي يقولها له على اعتبار أنه كوّن صورةً ذهنيةً عنه من شخصٍ يثق به جيداً "وهو الأم" مفادها جهله "وهذا بالتأكيد يعني بناء أسرةٍ مخلخلة الأركان قد تنهار في أية لحظة".