فلسطين أون لاين

​عناصر بالوقائي قتلته لأجل "هاتف محمول"

"الجثة" بدلًا من "سوار الذهب".. هدية "الوقائي" لوالدة "الحملاوي" بيوم الأم

...
أفراد الوقائي ضربوه حتى الموت حرفيا
غزة/ يحيى اليعقوبي:

"مشان الله وضعي الصحي تعبان، حاولوا تطلعوني ما عملتش حاجة ليش هيك بسوا فيَّ".. خلال اتصال هاتفي أطلق محمود الحملاوي "32 عامًا" نداء استغاثة لعائلته، "أجو ناس موتوني من الضرب من الوقـ".. انقطع الاتصال قبل إكمال الاسم.

ظلت عائلة الحملاوي في حيرة من أمرها، خشية أن يكون نجلها قد تعرض للاعتقال من قوات الاحتلال، وبقيت أخبار محمود منقطعة، لم تنفع كل محاولات العائلة بإدخال لجان حقوقية لتلبية نداء الاستغاثة.

بقي مصيره مجهولًا، حتى يوم الأربعاء 27 مارس الماضي؛ يرن هاتف عماد مرة أخرى، اعتقد أن المتصل شقيقه محمود، رد على عجل "أه يخو"، لكن المتصل صدمه: "معك مدير السجن بشرطة بيتونيا"، عاد التفاؤل لقلب عماد: "هل أخي بخير"، رد عليه مدير السجن: "رحمه الله، توفي نتيجة جلطة دماغية حاولنا إسعافه ولم نستطِع"، لم تقنع الرواية الحملاوي: "شقيقي لا يشتكي من أي مرض"، ارتبك المتصل: "وصلنا بهذه الحالة المتدهورة من الوقائي".

بداية الحادثة

الحادثة بدأت في 14 مارس/ آذار الماضي، كما يروي شقيقه عماد لصحيفة "فلسطين" –نقلها من شهود عيان وأصدقاء شقيقه بالضفة-، حينما جاء خمسة أشخاص على شقة شقيقه بمنطقة بيتونيا برام الله، وانهالوا عليه بالضرب على رأسه وبطنه، وقيدوا قدميه ويديه بأسلاك حديدية وأخرجوه بملابسه الداخلية، واقتادوه إلى سجن الوقائي برام الله، وهناك استكملت عملية التعذيب الشديد له، فماذا فعل لأجل هذا العقاب؟

يكمل شقيقه المتألم بنار الفراق: "سبب كل هذا العقاب، أن شقيقي ذهب لاسترداد دين استدانه أحد رفاقه، فعندما رفض الشاب سداد الدين، أخذ شقيقي هاتفه المحمول كتسوية للأمر، حينها تدخل أقرباء ذلك الشاب، فعرف شقيقي عن نفسه أنه يعمل بالوقائي، فقط لإخافتهم".

ظن محمود أنه أغلق باب المشكلة، لكنه فتح بابا آخر من الحقد، والكلام لشقيقه، إذ أخبر ذلك الشاب أقرباءه أن محمود من غزة ويعمل بمصنع للأعلاف، فاتصلوا بأقرباء لهم يعملون بالوقائي، ووجهوا له تهمة انتحال شخصية الوقائي واختطفوه.

"خلال المدة التي مكثها في سجن الوقائي تعرض "محمود" لتعذيب شديد، وكان يضرب على رأسه، وبطنه، وكان يتقيأ دما ويغيب عن الوعي، وبقي عدة أيام بملابس داخلية رغم برودة الأجواء.. كل هذا لأجل هاتف ولأن أخي من غزة؛ هذا افتراء وإجرام"، مشيرا إلى أن التقارير الطبية الأولية توضح أن سبب الوفاة هو تعرضه لنزيف داخلي بالرئتين نتيجة الضرب الشديد عليها.

"الله ينتقم منهم؛ كان ابني يحضر لي هدية في يوم الأم فأهداني الوقائي جثته، كان المعيل والسند لنا، ويتمنى أن يتزوج.. حسبي الله ونعم الوكيل".. استطاعت والدته إخراج تلك الكلمات المقهورة من قلبها، كان صوت الدموع يغلب كلماتها، فما أصعب تلك اللحظات التي يمتزج فيها الحزن بمرارة الفراق.

لماذا ذهب للضفة؟

نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، اضطر محمود قبل أربع سنوات للتسلل لداخل الأراضي المحتلة بحثا عن عمل في مجال البناء، ألقى الاحتلال القبض عليه واعتقله 11 شهرا، وبعدها حوله إلى مدينة نابلس وليس غزة، ولهذا الأمر قصة.

عام 1999م غادر محمود وعائلته، حسبما يذكر شقيقه عماد، عند أقرباء لهم بمدينة نابلس، وهناك مكثوا لمدة عامين، وخلال العامين درس مع إخوته بمدارس نابلس، وأدرج اسمه بسجلات الأحوال المدنية بالمدنية، حتى إنه حصل على وثيقة شخصية "هوية" من مدينة نابلس.

"مش حابب أطلع من غزة، نفسي أرجع الها وأضل بينكم"، يحدث محمود شقيقه بإحدى المرات، إن محمود ذهب للضفة للبحث عن عمل وكي يكون مستقبلا له، وكان يعيل أسرته بغزة، فلديه ثلاثة إخوة وثلاث شقيقات.

في الضفة عمل في البناء "الطوبار" بأجرة يومية 120 شيكلا، كان يشتكي من إرهاق العمل، وبعد فترة بسيطة عمل في تنظيف نادٍ رياضي لكمال الأجسام، ثم في تنظيف البيوت، وكان آخر عمل له في حمل أكياس الأعلاف في أحد المصانع، يتابع شقيقه: "كان صاحب المصنع سعيد بعمل أخي، لكونه ضخم البنية فطوله 190 مترا ووزنه 125 كغم، لم يشتكِ أخي من أي أمراض، كان إنسانا محترما وطيبا".

"بدي نجيب لأمي هدية حلوة" كان الكلام من محمود لشقيقه قبل عيد الأم بعدة أيام، كان يستعد لهذه المناسبة، واختار هدية "سوار" ذهب لتكون مفاجأة هذا العام لوالدته، ولم يدرِ أن جثته ستكون هدية يقدمها عناصر الوقائي لوالدته في هذه المناسبة.