"عروض إسرائيلية مختلفة عبر وسطاء إقليميين ودوليين إجراء صفقة لتبادل الأسرى"؛ هذا ما أكدته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، قبل أن توضح أن "الأعداد والصيغة" التي قدمتها سلطات الاحتلال حتى الآن للصفقة المقترحة "لا ترقى إلى الحد الأدنى من مطالب المقاومة"، ما يطرح تساؤلات عن نوايا حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو، وسياساتها في التعامل مع هذا الملف الشائك.
وهذه هي المرة الأولى، التي تكشف فيها "القسام" عن تلقيها عرضا إسرائيليا قامت برفضه، بشأن إبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى، وهو ما يطرح أيضًا تساؤلات عن أهداف الكتائب من إفصاحها عن هذه العروض.
وجاءت هذه التصريحات على لسان قائد في الكتائب، لقناة الجزيرة الفضائية، مضيفا أنه لا صحة لما نشره الاحتلال عن عرض إنجاز الصفقة مقابل تسهيلات تجارية.
ويعتقد المحلل السياسي، حمزة أبو شنب، أن هذه العروض "هي بدايات"، موضحا أن سلطات الاحتلال تسعى دائمًا إلى تقديم العروض بصورة تدريجية.
ويقول أبو شنب لصحيفة "فلسطين": "لو عدنا بالذاكرة إلى صفقة شاليط، ففي بدايتها كانت (إسرائيل) تقدم عرض أسير ثم أسيرين، ثم 10"، مضيفا أن سلطات الاحتلال تحاول دائما "التبخيس" من الصفقة، ومحاولة توجيه ضربة للروح المعنوية للمقاومة والأسرى الفلسطينيين بأن الأمور تسير في اتجاه ليس هو الاتجاه الذي يتمنونه.
وعما إذا كانت المجريات السياسية الحالية في (إسرائيل) مناسبة لإبرام صفقة تبادل أسرى، يجيب أبو شنب بأنه لا يعتقد ذلك.
ويُفسِّر بأن سلطات الاحتلال تتعامل في قضية الأسرى من خلال خطوات عدة، تعتمد في أولاها على عامل الوقت، على أمل أن تيأس المقاومة الفلسطينية وتتنازل.
أما العامل الثاني الذي يعتمد عليه الاحتلال، بحسب المحلل السياسي، فهو جمع المعلومات، إذ تهتم الأجهزة الأمنية الاستخبارية بجمع المعلومات عن هذه القضية، لتعرف على ماذا ستتفاوض، مشيرا إلى أن هذين العاملين هما على الصعيد المعلوماتي.
وعلى صعيد ظروف حكومة نتنياهو، لا يعتقد أبو شنب أن نتنياهو قادر على إنجاز صفقة تبادل أسرى كونه يمر في مأزق، كما أنه هو الذي قام بعقد صفقة شاليط، "ولا يستطيع أن يقوم بصفقة ثانية".
ويتابع: "الظرف السياسية والحكومة الحالية (برئاسة نتنياهو) لا تستطيع أن تعقد مثل هذه الصفقة لأنها حكومة ضعيفة، وأي قضية (مثل عقد صفقة لتبادل الأسرى) ممكن أن تنهار الحكومة، وأيضًا نتنياهو يمر الآن في أزمة التحقيقات الداخلية وقضايا الفساد التي تلاحقه لذلك الظروف لا تساهم في إنضاج شيء في المرحلة الآنية".
في المقابل، يؤكد أبو شنب أن لدى المقاومة الفلسطينية هدف محدد، مرتبط بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، مشددا على أن المقاومة تريد الإفراج عن أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأسرى "لذلك هي لا تستعجل ولا تتسرع، وقد شاهدنا تجربة صفقة شاليط".
وبشأن احتمالات توسط مصر لعقد صفقة تبادل أسرى بين المقاومة وسلطات الاحتلال، يقول إن "مصر هي من أقوى الدول التي يمكن أن يكون لها دور"، لافتا إلى تجاربها السابقة على صعيد التهدئة أو صفقة شاليط التي كانت برعاية مصرية.
ويرى أنه "إنْ حركت مصر هذا الملف بصورة جدية ممكن أن تكون هناك نتائج"، مردفا في الوقت نفسه: "لكن أيضًا الأمر يحتاج لمزيد من الوقت"، مستبعدا أن يكون هناك أي تقدم في المرحلة القريبة بشأن عقد صفقة.
ثقة بالقسام
من جهته، يقول الباحث في الشؤون السياسية إبراهيم المدهون، إن "القسام تحاول إطلاع الشعب الفلسطيني على مجريات وتفاصيل تجد أن من حق شعبها وخصوصا أهالي الأسرى في سجون الاحتلال معرفتها عن بعض هذا الحراك ومستواه".
ويضيف المدهون، لصحيفة "فلسطين": "هناك ثقة كبيرة من الأسرى وأهاليهم بكتائب القسام، وهم يعقدون آمالا على جهد حماس في الإفراج عن أبنائهم ويتطلعون لكل بارقة أمل"، متابعا: "القسام تريد أن توضح لهم أن هذا الملف بدأ بالحراك وأن هناك إمكانية لتطويره".
"لكن أيضًا القسام معنية بإظهار مرونتها واستعدادها لتلقي عروض جديدة في هذا الملف خصوصا في حال تدخلت قوى مركزية في المنطقة كمصر، كتركيا، للعب دور الوسيط بشرط أن يتم نقل عروض يمكن البناء عليها وتحمل قيمة للتفاوض"؛ والكلام لا يزال للمدهون، مبينا أن الاحتلال "يحاول دائما أن يقدم عروضا فيها تقليل ونوع من محاولات المراوغة".
وينوه إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "يقدم مجموعة من العروض، لكن حتى هذه اللحظة لا يمكن البناء عليها، ولا يمكن اعتمادها أساسا للتفاوض، ولا يمكن فتح هذا الملف من خلالها؛ لأن هذه العروض فيها تبخيس ومراوغة".
ويعتقد أنه في حال قدم الاحتلال عروضا جدية وواضحة، "فإن هناك استعدادا لدى القسام والمقاومة الفلسطينية للتعاطي معها، لكن طالما هي عروض بعيدة عن الأسس السليمة لإنجاز صفقة، فهذه العروض لن تكون إلا مجرد مراوغة من الاحتلال".
ويقول المدهون، إنه يجب إيضاح ذلك حتى لذوي جنود الاحتلال، "أن حكومتهم مازالت عاجزة عن تقديم عروض يمكن البناء عليها، وأن ما كان يُعرض في صفقة شاليط أعلى من ذلك بكثير، ليروا أن اهتمام حكومة الاحتلال بشاليط كان أكثر من اهتمامها بهؤلاء الأسرى (الإسرائيليين)".
ويرى أن الاحتلال يريد أن يكسب مزيدا من الوقت، وأنه "غير جاهز الآن لصفقة، ويحاول فقط أن يظهر على أنه يقوم بدوره في تحريك هذا الملف لإرضاء الرأي العام الإسرائيلي"، مبينا أن حكومة الاحتلال حتى اللحظة "غير جادة".
وينبه إلى أن الصفقات الخاصة بتبادل الأسرى "معقدة وتحتاج إلى نفس طويل، وصياغات يجب أن ترضي جميع الأطراف وأن تنضج بشكل جيد".
ويتمم بأن ما يميز "القسام" في هذا الصدد، "أنه يبدو أنها تملك أوراق قوة في هذا الملف"، وقدرة الكتائب على الاحتفاظ بها مدة طويلة، موضحا أيضًا "أن لديها القدرة على الصبر، ولديها نفس طويل".