بعد سلسلة العدوانات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وردود المقاومة عليها، التي تمثلت أخيرا في سقوط جملة صواريخ على تل أبيب، بغض النظر عن الطريقة التي سقطت فيها، تزايدت في الأوساط الإسرائيلية النقاشات السياسية والأمنية والعسكرية حول مستقبل العلاقة مع قطاع غزة.
مع العلم أن الوضع الأمني المعقد في قطاع غزة، وتسلسل الأحداث فيه، وضع جملة فرضيات متناقضة واجهتها إسرائيل في غزة، بين القضاء على حماس، أو الإبقاء عليها، مع العلم أن هناك جملة من الأسباب التي تشجع فرضية إسقاط حماس من وجهة النظر الإسرائيلية، سواء لأنها تنظيم مسلح يواصل التحرش بإسرائيل، أو لأن كوادرها وعناصرها يؤمنون بأنهم يخوضون جهادا مقدسا وأبديا ضد دولة اليهود، ولا أمل بإمكانية أن يوافقوا على الحياة بسلام بجانبها.
ويرى الإسرائيليون أصحاب الفرضية المطالبة بإسقاط حماس أن المناطق المحتلة من وجهة نظر حماس هي كل دولة إسرائيل، وإن تحرير فلسطين بنظرها يعني القضاء على إسرائيل، فضلا عن تصنيف الحركة بنظر العالم على أنها منظمة إرهابية، وقيادتها تسعى للبقاء كحركة تسيطر على غزة، وهي في الطريق لإنشاء دولة كاملة تحت وصايتها، وفي المستقبل قد يوجه العالم لومه لإسرائيل على إبقاء هذا الوضع القائم في غزة.
في المقابل، فإن هناك أسبابا غير قليلة لعدم الخروج إلى عملية عسكرية ضد حماس في غزة، أولها أن الحركة انتخبت بشكل ديمقراطي عام 2006، ومنذ ذلك الوقت وهي تسيطر على غالبية أعضاء المجلس التشريعي، مما يجعل سلطتها في غزة ذات طابع شرعي، وثانيها أن طرد حماس يعني إعادة احتلال القطاع، وخوض إسرائيل حربا في غزة يعني انتقالها من بيت إلى بيت، مما يعني قتل العديد من حياة جنودها.
السبب الثالث الذي يدفع إسرائيل لعدم الإطاحة بحماس أن الجمهور الإسرائيلي غير معني بإعادة احتلال القطاع، خوفا على حياة الجنود، وعدم المخاطرة بهم، ورابعها عدم الرغبة الإسرائيلية بإعادة ضم غزة، بما فيها من مليوني فلسطيني إلى إسرائيل، لأن ذلك يعني التكفل بشئون مليوني فلسطيني من سكان القطاع، بما فيها التعليم والصحة والطعام ومواد البناء، وإسرائيل ليس لديها مصلحة بالتورط بهذه الأعباء الاقتصادية.
كل ما تقدم قد يرجح فرضية أن الحكومة الإسرائيلية تتردد في اتخاذ القرار المباشر لعملية عسكرية في غزة، بينما تسعى لتحصيل هدوء أمني في القطاع، لأن احتلال الجيش الإسرائيلي لغزة، وانسحابه منها بعد فترة، قد يترك أرضا محروقة وموئلًا خصبًا لتحويلها "صومالا" تحكمها منظمات غير منضبطة، وهذا الخيار من أسوأ الخيارات الإسرائيلية، مما يجعل سيناريو الحرب على غزة ليس قدراً محتوماً، وبالإمكان الوقاية منه.