كما أحيا الفلسطينيون في الساعات الأخيرة الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة، فقد تابعها الإسرائيليون،بقراءة آثارها السياسية والعسكرية، ومحاولة تقديم استشراف مستقبلي لنتائجها المتوقعة.
تعتقد قطاعات إسرائيلية واسعة أن مرور الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة الفلسطينية على حدود قطاع غزة تقدم شهادة جديدة أنه بدون إيجاد حل للوضع في غزة، فإنها ستبقى تتصدر جدول الأعمال الإسرائيلي والدولي، في ظل استمرار هذه المظاهرات والمسيرات الفلسطينية، بما تضمنته من أشكال ساخنة من المواجهات.
وأكدت هذه المسيرات الفلسطينية بعد عام على اندلاعها أن إسرائيل لا تملك أمام غزة إستراتيجية واضحة، أو حلولا عملية، بل إنها قررت ألا تقرر شيئاً، باستثناء استمرار سياسة العصا والجزرة، ورغم الأصوات اليمينية المتصاعدة، فإن الحكومة الإسرائيلية لا تريد الذهاب لحرب واسعة ضد حماس قبل أيام من الانتخابات.
إن مرور عام على اندلاع مسيرات العودة، أضرت كثيرا بسمعة نتنياهو في الدفاع عن نفسه بأنه "سيد الأمن" في إسرائيل، وهو لقب سعى إليه خلال السنوات العشر الماضية، لأنه لا يمكن تجاهل استمرار التوتر على حدود غزة، وما رافقه من إطلاق الصواريخ، مما حول المسيرات الشعبية إلى أوضاع ساخنة ومشتعلة.
وفيما يذهب نتنياهو للانتخابات البرلمانية القادمة خلال أيام قليلة، فإن أمامه معضلة أساسية مفادها أنه بدون إزالة حصار غزة، فلا يمكن البدء بأي حوار سياسي مع الفلسطينيين، مع أن المسيرات الجماهيرية على حدود غزة تحولت في ذكراها السنوية الأولى أداة سياسية بيد حماس، رغم أنها انطلقت بمبادرة من بعض النشطاء الفلسطينيين الشبان من أجل إعلاء صوت سكان القطاع الذين يعانون ظروفا معيشية صعبة.
وأكدت المتابعة الأمنية الإسرائيلية للمسيرات أنها نجحت بتوفير المشاركة الشعبية فيها عبر تحشيد مئات آلاف الفلسطينيين، واستطاعت هذه المسيرات طوال عام كامل، أن تحافظ على أعداد متفاوتة من المشاركين.
وإن مرور عام على مسيرات العودة دفع بإسرائيل للاستعانة بوساطات مصرية وأممية وقطرية على مدار الساعة، خشية انزلاق الأمور لمواجهة عسكرة ضارية بين حماس وإسرائيل، وقد سعت جميعها بين حين وآخر للتوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار بين الجانبين، حين كانت تستعر جولات التصعيد العسكرية.
أخيراً...بغض النظر عن الدوافع الأيديولوجية والقناعات السياسية للإسرائيليين، فإن لديهم قواسم مشتركة في النظر لدوافع المسيرات، بأنها تمثلت بظروف البطالة المتفشية في القطاع، وانقطاع الكهرباء، والنقص في الأدوية والمواد الغذائية الأساسية، وتوجيه الاتهام للحكومة الإسرائيلية بالمسئولية عن ذلك، وطالما بقيت هذه الظروف على سوئها، فضلا عن تفاقمها، فإن مبرر استمرار المسيرات سيبقى قائما ومشروعاً.