واصلت غزة فرض نفسها على أجندة النقاش الإسرائيلي بعد أيام على صدمة قصف تل أبيب، وعدم استيعاب الإسرائيليين لهذه الصدمة، فضلا عن الجدل الدائر في صفوفهم، وسط الحديث عن استمرار التصعيد العسكري مع غزة، ومدى صمود وقف إطلاق النار، والنتائج التي انتهت إليها الجولة الحالية.
تزداد القناعات الإسرائيلية أن المقاومة أعادت من جديد إلقاء الكرة في الملعب الإسرائيلي، مع أن إسرائيل كانت مطالبة بإلزام حماس بوقف مسيرات العودة الحدودية المقررة يوم السبت، وإلا فإننا سنكون خاسرين من هذه الجولة.
يمكن الحديث أن مصر نجحت بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، صحيح أن الأخيرة لم تعلن التوصل لذلك، لكن هذه سياستها القائمة منذ عام، وهذا لا يغير من حقيقة الواقع شيئا، وصحيح أن حماس تلقت ضربات جوية إسرائيلية، لكنها لم تكن بالألم ذاته الذي سببته صواريخها الأخيرة على تل أبيب مرتين خلال عشرة أيام.
يعتقد الإسرائيليون، وأظنهم محقون في ذلك، أن حماس تريد وقف إطلاق النار وفق التوقيت الملائم لها، لأنها تخطط بعد أيام قليلة لتنظيم مسيرات العودة بقوة وحشد أكبر لتفعيل مزيد من الضغط على إسرائيل قبيل أيام قليلة من الانتخابات، أما إسرائيل من جهتها فلم تحقق إنجازات إستراتيجية من هذه الجولة، ومن يقل غير ذلك فإنه يكذب، هذا كلام الإسرائيليين، وليس كاتب السطور.
مسوغات الإحباط الإسرائيلي تكمن في أن إسرائيل كان يجب عليها انتزاع تنازلين أساسيين من حماس: وقف كلي لمسيرات الحدود اليومية، وإلغاء مسيرات يوم الأرض، إن لم يتحقق هذان الإنجازان فقد خسرنا هذه الجولة أمام حماس، وهذا ما كان.
يعود بنا هذا النقاش الإسرائيلي حول المواجهة المستمرة مع غزة إلى تقييم سياستها أمام حماس خلال العقد الماضي، التي تعبر عن فشل ذريع، وليس عن تفكير عميق تجاه الواقع القائم في غزة، مع العلم أن شريحة لا بأس بها من الإسرائيليين تعتقد أنهم ليسوا بحاجة لمزيد من العمليات العسكرية ضد غزة، فقد جربوا هجمات سابقة دون أن يتحقق الهدوء الذي يسعون إليه هناك.
شنت إسرائيل على غزة بين 2008-2014 ثلاثة عدوانات دامية، وكلها لم توقف إطلاق الصواريخ نحو الجبهة الداخلية الإسرائيلية، بل إن هذه الصواريخ تحولت سياسة للفصائل الفلسطينية تعود عليها الإسرائيليون، الأمر الذي ينفي الحاجة الإسرائيلية إلى حرب رابعة، لأنها ستأخذهم لحرب خامسة بعد سنوات عدة، هذه ليست سياسة، بل سذاجة واضحة.
إن كان من بين الإسرائيليين رجل رشيد، فيجب عليه الاعتراف بأن الحصار على غزة لم يحقق نتائجه مع الفلسطينيين، بدليل أن حماس قويت عسكرياً أكثر من ذي قبل، وصواريخها باتت تغطي وسط إسرائيل، وربما قريبا ستغطي إسرائيل كلها.