فلسطين أون لاين

​مجددًا: (تل أبيب) تحت القصف

بادئ ذي بدء، من الأهمية بمكان أن نرسخ حقيقة أساسية ثابتة، وهي أن الاحتلال الإسرائيلي هو سبب العدوان والحصار والموت البطيء الذي يفرضه على غزة منذ 13 عاما؛ وأهل القطاع يسعون للتخلص من القاعدة المقيتة "لا نحيا ولا نموت"؛ بشتى السبل والخيارات، رغم أن العالم الظالم يقف على قدم واحدة حين يسقط صاروخ على تل أبيب؛ ويتحول أعمى أبكما أصما حين تقتلنا صواريخ إسرائيل صباح مساء.

من كان يصدق أن تل أبيب عاصمة الاحتلال تعرضت خلال عشرة أيام فقط إلى قصف مرتين، ليس من عاصمة عربية أو إسلامية، ولكن من قطاع غزة، وبغض النظر عمن أطلق هذه الصواريخ التي أصابت الردع الإسرائيلي في مقتل، فإن تكرار هذا القصف يطرح جملة أسئلة أمام جنرالات هيئة الأركان الإسرائيلية.

من هذه الأسئلة: أين المصادر الأمنية الإسرائيلية التي تزود صناع القرار بما تنوي تنفيذه الفصائل الفلسطينية في غزة، ولماذا لم تتمكن المخابرات الإسرائيلية والجيش من تحليل التهديدات الأخيرة للفلسطينيين بشأن رفض استمرار الحصار والضغط على غزة، وما السبب في عدم تعامل القبة الحديدية مع صاروخ تل أبيب للمرة الثانية خلال أيام قليلة، وكيف ستتعامل إن اندلعت حرب، وسقطت زخات على هذه المدينة لوحدها، وأين سلاح الجو الذي يمشط سماء قطاع غزة من أقصاه إلى أقصاه، بمختلف الطائرات المقاتلة والاستطلاعية، كيف انطلق هذا الصاروخ تحت الرادار الإسرائيلي، ولم تلتقطه كاميرات المراقبة برا وجوا؟

هذه أسئلة خطيرة، لن يكون سهلا الإجابة عنها من ضباط المؤسستين الأمنية والعسكرية، في ظل خيبة الأمل التي أسفر عنها صاروخ تل أبيب، مع أننا ما زلنا أمام رواية إسرائيلية فقط حول صاروخ تل أبيب، وقد تبقى كذلك، دون إعطاء رواية فلسطينية، مما يزيد من صعوبة إعطاء تقدير موقف دقيق حول التبعات المتوقعة.

وفي حال ثبوت الرواية الإسرائيلية، فإن صاروخ غزة إلى تل أبيب متعدد الرؤوس والأهداف: سياسيا وعسكريا؛ أهمها أنه تزامن مع القمع الذي يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في معتقل النقب الصحراوي، ولعل رسالة الصاروخ أنكم لستم وحدكم، وأن أهل قطاع غزة لن يعانوا وحدهم؛ ولن يعيشوا رهائن الانتخابات الإسرائيلية، المهم أن غزة قصفت تل أبيب؛ وتم توسيع غلاف مستوطنات عزة ليشمل عاصمة الكيان المحتل.

صحيح أن سقوط الصاروخ في قلب الكيان قبل أقل من أسبوعين على يوم الاقتراع، يحمل مضامين تهديدية لمستقبل نتنياهو السياسي، وأن مشاهد دمار المنزل ستتصدر الدعاية الانتخابية لخصومه، لكن أي تصعيد مرتفع الوتيرة في غزة قد يزيد من تكرار هذه المشاهد، وربما أصعب، مما سيشغل تفكير نتنياهو في طريق عودته من واشنطن في الساعات القادمة..المقصود أن خيارات الجميع، غزة والاحتلال، ضيقة، ولا تعني أن طرفا مأزوما وآخر مرتاحا، بل "كلنا في الهم شرق"!