تعطي العمليات المسلحة التي شهدتها الضفة الغربية في الأيام الأخيرة انطباعات متزايدة، بأنها مرشحة لمزيد من التوتر الأمني، إذا ربطناها بأحداث باب الرحمة في الحرم القدسي، وتبعات استقطاع إسرائيل لأموال المقاصة من السلطة الفلسطينية، وإمكانية أن يحتج الفلسطينيون على ذلك، أو يتأثر التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي.
إن الأجواء الأمنية في الضفة الغربية ملبدة بالغيوم، وقد يأتي حدث عابر واحد يشعل مواجهات ميدانية مع الجيش الإسرائيلي لا تسعى إليها السلطة الفلسطينية، التي ما زالت ترفض تلقي أموال المقاصة، مما قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي للسلطة الفلسطينية، وإشعال الوضع الميداني.
وفي ضوء سلسلة الهجمات المسلحة التي شهدتها الضفة الغربية مؤخرا، ومع قرب عدة تواريخ فلسطينية حساسة من الناحية الأمنية مثل يوم الأرض وشهر رمضان ويوم النكبة، فإن أوساط أجهزة الأمن الإسرائيلية تتوقع اندلاع تصعيد أمني كبير في الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية.
صحيح أن مثل هذا التقدير يصدر كل عام من هذا الوقت، ويتم أحيانا توقع سيناريوهات أكثر خطورة، لكنها لا تقع على الأرض، وحافظت الضفة الغربية على استقرار نسبي، لكن العام الجاري قد يشهد تغيرا جوهريا كفيل بإشعال الوضع وفقا لتقديرات أجهزة الأمن الإسرائيلية.
أحد الأسباب الجوهرية لاندلاع مزيد من التوتر الأمني في الضفة الغربية، ما طرأ على موازنة السلطة الفلسطينية من اقتطاع بقيمة 55% بفعل خصومات الحكومة الإسرائيلية، يضاف لها وقف المساعدات الأمريكية، وتلكؤ الدول العربية في الإيفاء بمساعداتها الدورية للفلسطينيين، بجانب التقليص المفاجئ من الدول الأوروبية في المنح المالية، وإن استمر الوضع المالي للسلطة بهذه الطريقة فقد لا تصمد حتى إشعار آخر.
هناك احتمال مبالغ فيه يرى بأن الوضع قد يؤثر على جهود الأمن الفلسطيني لإحباط عمليات المقاومة في الضفة الغربية، صحيح أن السلطة الفلسطينية غير معنية بمواجهة شاملة مع إسرائيل، لكن رائحة الوقود تنتشر في المكان، وأي حدث عابر كفيل بإشعاله على الفور.
إن عدم استقرار الضفة الغربية ليس مصلحة إسرائيلية، لكن فترة الانتخابات ليست مناسبة لتقديم تنازلات للفلسطينيين فيما يتعلق بأموال الضرائب، وفي حال تصدع الاستقرار الأمني في الضفة فإن الأضرار على إسرائيل ستكون خطيرة، وستكون التحدي الأول والأخطر للحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد الانتخابات.
إن ما يزيد من خطورة الوضع الأمني في الضفة الغربية أن العمليات انتقلت فيها من ظاهرة الهجمات الفردية بالسكاكين إلى استخدام الأسلحة النارية، ولعل الأسبوع الأخير شكل نموذجا للمخاوف الأمنية الإسرائيلية من الوضع فيها بعد سلسلة الإخفاقات الإسرائيلية التي رافقت الهجمات الفلسطينية.