كلما اشتد الوضع الأمني في غزة توترًا مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، زادت النقاشات للبحث في الخيارات المتاحة أمام صانع القرار، والبحث في أقلها كلفة، وأخفها وطأة على الإسرائيليين، وقد عالجت هذه السطور في العديد من المرات أهم المخططات الإسرائيلية بغزة، حتى وصلت أن السيناريو المفضل في تل أبيب يكمن ببقاء الأمور على ما هي عليه، بانتظار تغيرات جوهرية على في إسرائيل والأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية، الأمر الذي لم يحصل بعد.
آخر السيناريوهات الإسرائيلية جاء على لسان الجنرال الإسرائيلي أودي ديكل، الرئيس السابق لإدارة المفاوضات مع الفلسطينيين، حين طرح خيارين لا ثالث لهما للتعامل مع حماس في غزة: الأول الاعتراف رسميا بسلطة حماس في غزة، والانفصال كليا عن إسرائيل، ما يعني إزالة الحصار عن غزة، وفتحها أمام العالم الخارجي، دون المرور بإسرائيل.
أما الخيار الثاني، فيتمثل بمعركة عسكرية لتفكيك الذراع العسكري لحماس، ويتطلب التحضير لعملية قتالية واسعة ومستمرة تتضمن اجتياحات برية ودخولا إلى عمق القطاع، والمس بصورة قوية في البنى التحتية المقاتلة في المنطقة، وتشمل: نشطاء مقاتلين، ووسائل قتالية، وضرب الأنفاق.
وأوضح أن ذلك يعني أننا سنكون أمام عملية عسكرية من عدة مراحل، تشمل نزع السلاح القوى من حماس، والاستمرار حتى تفكيك سيطرتها على القطاع، وتهيئة الظروف لإعادة غزة لسيطرة السلطة الفلسطينية، والذهاب لعملية سياسية مع الفلسطينيين، وتشمل تجنيد دعم دولي لترميم القطاع وإعادة إعماره.
ليس سرًا أن هذا الخيار العسكري يشمل سقوط أعداد كبيرة من القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين، ما يتطلب توافر إجماع إسرائيلي على الذهاب لهذه العملية العسكرية، وفي كل الأحوال محظور على الجيش أن يمكث في القطاع، حتى في حالة عدم وجود طرف آخر يسيطر عليه.
المشهد العسكري في هذه الخطة واضح، ولكن تبقى دلالاته السياسية، لأن إسرائيل التي انسحبت من القطاع في 2005، لا تنوي العودة إليه في 2019، وإن عادت مضطرة، فإلى مرحلة زمنية وجيزة، إلى حين تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية أو أي قوة أخرى.
لكن التاريخ يعلمنا، وقراءة العقيدة الصهيونية تؤكد لنا أن إسرائيل لا تضحي بالمئات من جنودها من أجل مجموعة من "الأغيار"، حتى لو قدموا لها كل الخدمات الأمنية الجليلة، وهي التي أخذت الدرس قاسيا من المستنقع الغزاوي غزة قبل إخلائه بصورة أحادية، ومن دون اتفاق.
السيناريو العسكري الإسرائيلي رغم كلفته الباهظة على تل أبيب، واستبعاده على الأقل مرحليا، يجد له تشجيعا ورواجا من بعض الأشقاء، للأسف الشديد، لكن إسرائيل، لسوء حظهم، لا تعمل مقاولا عندهم، ولا ترسل جنودها كالمرتزقة في حروب لا تحقق لها مصالح إسرائيلية بحتة!