تراقب (إسرائيل) عن كثب تطورات الأوضاع الميدانية والأمنية في قطاع غزة، وسط قناعات متزايدة في تل أبيب أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يواصل الضغط على القطاع، رغبة منه بإخراج الناس لتفريغ هذا الضغط على حماس، التي تعيش حصارًا محكمًا من القريب والبعيد، رغم أن المصلحة الإسرائيلية تكمن في استقرار القطاع، في ضوء الفرضيات المتزايدة بأن إمكانية تزعزع سلطة حماس في غزة احتمال ضعيف جدًّا.
إنّ الأحداث الأخيرة التي شهدتها غزة جاءت بفعل الضغوط التي مارسها عباس على القطاع، وربما يمضي في عقوباته مجددا بصورة أقسى من السابق؛ بهدف أن يؤدي لزعزعة الاستقرار في القطاع، في حين أن مصر وإسرائيل تسعيان لبقاء هذا الاستقرار.
تعتقد إسرائيل أنه من المنطقي التوصل إلى تفاهمات مع حماس، وهذا لا يعني أنهما تعيشان قصة حب بصورة مفاجئة، ولكن لأن حسابات المصالح السياسية تذهبان بهما لذلك الخيار الاضطراري، مع العلم أن مثل هذه التفاهمات تثير غضب السلطة الفلسطينية التي تريد الاستيقاظ في صباح اليوم التالي ولا ترى في غزة شيئًا اسمه حماس.
المعلومات المتوفرة في إسرائيل تشير إلى أن السلطة ترى أن تطبيق التفاهمات بين حماس وإسرائيل يضر بمصالحها، ويضعف موقفها في المنطقة؛ وتمنح شرعية للحركة، وتحولها للاعبة مركزية في غزة، في حين أن السلطة تطالب بإيجاد تعاون إقليمي لمواجهة حماس يجبرها على الموافقة على شروط السلطة، التي ستؤدي أخيرا لنقل السيطرة على غزة إليها.
كان لافتا خلال الأيام الماضية أن إسرائيل لم تكن بعيدة عن أحداث غزة، فقد اعترف محللوها، تصريحا وليس تلميحاً، أن أقصى أحلام إسرائيل بالنسبة لمشكلة غزة هو الإطاحة بنظام حماس من قبل الغزيين أنفسهم، حيث تسعى السلطة الفلسطينية لتفجير الأوضاع داخل غزة، وتدفع الأموال لحث الناس للمشاركة في المظاهرات، مستغلة بذلك الوضع الاقتصادي الصعب، بل إن بعض الإسرائيليين عبروا عن أمنياتهم بأن تسفر هذه الأحداث عن الإطاحة بحماس في القطاع وإنشاء قيادة جديدة شبيهة بنظيرتها في الضفة الغربية.
لم يكن سرًّا أن إسرائيل في عمومها رضيت عن الأحداث ضد حماس في غزة، لأنها تضعها في الوضع الذي ترغبه إسرائيل، إذا تطورت الأمور إلى حدث ينتهي بإسقاطها، بحيث تكون فوضى بغزة، أو سيتولى أبو مازن السيطرة عليها.
إن الحل النموذجي مع الفلسطينيين في أوساط نسبة لا بأس بها من الإسرائيليين يكمن في استئناف المفاوضات مع السلطة، ووقف التقليصات المالية عنها، والاستعانة بدعم الدول العربية المعتدلة؛ لإجبار حماس على التسليم بقيادة السلطة للساحة السياسية، لكن هذا الحل لسوء حظ السلطة لا يحظى بإجماع إسرائيلي في ظل وجود يمين متطرف يسعى لترسيخ الانقسام، ولا يريد العودة للمفاوضات السياسية.