فلسطين أون لاين

​قبل ملحمة "عبوين"

الشهيد عمر أبو ليلى ترجل 20 كيلومترًا فأواه بيت مهجور

...
المنزل الذي تحصن فيه الشهيد ابو ليلى
غزة-رام الله/ يحيى اليعقوبي:

مساحة شاسعة تتباعد فيها البيوت السكنية، تكتسي بالحشائش والأشجار، هناك في منطقة جبلية يتوسطها منزل شبه مهجور في بلدة عبوين قضاء رام الله، احتضن البطل عمر أبو ليلى (19 عاما) من سكان مدينة سلفيت، منحه الدفء لثلاثة أيام، في وقت كان فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي يبحث عنه في كل مكان مجندًا عملاءه وكاميرات المراقبة.

في ذلك المنزل القديم تنبت الحشائش بين أرضياته الأثرية، تمامًا كما نبتت البطولة والشجاعة وترعرعت في قلب "رامبو الفلسطيني". 20 كيلومترًا هي المسافة بين مدينة سلفيت وقرية عبوين، سار عمر بين جبالٍ وقرى، إلى أن ساقته أقدامه إلى ذلك المكان الذي شهد نهاية شاب أربك جيش الاحتلال وحيّر منظومته الأمنية.

عملية بطولية نفذها عمر بدأت بالطعن واغتنام سلاح جندي إسرائيلي، ثم الشروع بإطلاق النار على مجموعة من الجنود، ثم قيادة سيارة مستوطن إسرائيلي مرورًا بثلاث مستوطنات وأبراج عسكرية للاحتلال، ثم انسحابه، أسفرت عن مقتل جندي ومستوطن. انتهت الملحمة فجر أول من أمس، مع صمت الليل، ربما لم تعرف عيون عمر طعم النوم.

خاض عمر الاشتباك الأخير مع قوات "يمام" الإسرائيلية، ترافقها آليات عسكرية عدة، حاصرت المنزل المهجور، لمدة ساعتين متواصلتين، لم يسكت خلالها أزيز الرصاص ولا دوي قذائف "لاو".

اخترقت القذائف سقف المنزل وأصابت غالبية جدرانه، وكبسالة من سبقه من المقاومين خاض عمر ملحمة بطولية تسجل في صفحات المجد لشهداء قضوا نحبهم، كأحمد جرار، وأشرف نعالوة، وصالح البرغوثي، الذين عاشوا رحلة مطاردة ثم الاشتباك والاستشهاد.

"مرضي عليه، كان يحبه الجميع، الصغار، والكبار، يعامل الآخرين معاملة حسنة، يحب إخوته الصغار خاصة مجد (10 سنوات) وزين (7 سنوات) .. يجلس معهما على التلفاز دائما (..) لا ينقص عليه شيء، هو طالب جامعي ولديه سيارة خاصة يذهب بها إلى جامعته .. خرج يوم السبت بشكل اعتيادي، لم يظهر عليه أي تغيير عن عادته..".

"ابني هادئ جدا وحينما حدثوني عن بطولته تعجبت".. بتلك الكلمات يسرد والد الشهيد لصحيفة "فلسطين" حكاية 19 عامًا من حياة نجله، قاطعته الدموع التي غلبت صوته لتكمل رواية فراق جديدة يعيشها أب فلسطيني، فقد فلذة كبده، فمهما اختلفت طرق الرحيل يظل ألم الفراق واحدا، يسكن في القلب ويصبح الزائر الدائم.

من هو عمر..؟ سؤال تشوق الكثيرون لمعرفة تفاصيله، وأشياء أخرى عن حياة شاب أدهش الأعداء بشجاعته، لكن تلك الشجاعة التي ظهرت فجأة كانت هي بركان ثورة خامدا في داخله لم يره أي شخص من عائلته. يكمل ابن عم والد الشهيد "خالد أبو ليلى" الحديث لصحيفة "فلسطين": "عمر الابن البكر لوالده، يدرس التجارة بجامعة القدس المفتوحة بسلفيت، ويساعد والده بمهنته تركيب أسقف البيوت (الكرميد) (..) ما زلنا في العائلة نعده من الأطفال، فرغم سنه البالغة 19 عاما لم نكن نعده إلا من الصغار، حتى بنية جسمه تدلل على ذلك".

عمر مع عائلته مرح، سريع الحركة، يحب الرياضة، والجولات الجبلية. كيف استقبلت عائلته خبر استشهاده؟ يقول "أبو ليلى": "عندما سمعنا أن هناك شابا نفذ عملية لم نتوقع أن يكون عمر، كونه منشغلا بدراسته ومساعدة والده في العمل أيام إجازته الدراسية".

يقول "أبو ليلى": إن عمر لم يترك وصية، وما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس وصيته. قبل عام طلب من والده أن يعلمه قيادة السيارة، كهدية لنجاحه في الثانوية العامة، وقبل أشهر عدة حصل على رخصة قيادة السيارات، فاشترى له والده سيارة.

"عمر شاب عادي لا ينقصه شيء، كل شيء متوفر له ببيته، يلعب كرة القدم، يحب الاطلاع ومعرفة كل شيء"، لا يزال ابن عم والده يبدي تعجبه أن تكون هذا العملية بتوقيع عمر.

السبت قبل يوم من تنفيذ العملية أمضى عمر يومه بمساعدة والده في مهنته. قطعت الأمطار العمل وعادا إلى المنزل.

حطت عقارب الساعة رحالها عند الثالث والنصف فجر يوم الأحد 17 مارس/ أذار، قبل ذهاب والد عمر للعمل في الداخل المحتل في مهنة تركيب (الكرميد)، كعادته تفقد أولاده الخمسة (أربعة ذكور وطفلة)، وغادر لعمله، بالعادة يذهب عمر صباحا لجامعته، الجميع سمع بعملية على مدخل سلفيت، لم يخطر ببال الوالد أن يكون المنفذ ابنه.

"أحضر أمين لأقرب مركز شرطة"، يتصل ضابط إسرائيلي بصاحب المعمل الذي يعمل به والد عمر. ذهب وهناك خضع لتحقيقات حتى الساعة الحادية عشرة مساءً؛ "هل هو عصبي"؟ تعجب الأب من سؤال غريب عادة لا تطرحه مخابرات الاحتلال، لعلهم يجدون تفسيرات لسبب الشجاعة الكبيرة التي أظهرها هذا الشاب الصغير، تفاجأ الأب كذلك بهذه العملية حين عرف تفاصيلها.