من خلال متابعتي الأحداثَ في غزة وانعكاساتها إعلاميا، وجدت أن الإعلام لا يمثل مرآة حقيقية للأحداث فيها، فالإعلام الخارجي وبعض الداخلي يكبران الصغير ويصغران الكبير، والشاهد على ذلك أنني حاولت تتبع الاحتجاجات على غلاء الأسعار فكانت غالبيتها فيديوهات متشابهة لحالات يتعامل فيها الأمن بقسوة مع بعض الأفراد، ولكنني بصراحة لم أرَ أي مسيرات جماهيرية ضخمة تؤكد أن هناك ما يمكن تسميته بالحراك الجماهيري. وأنا أقول إن من حق الإنسان التعبير عن ألمه وجوعه ومعاناته، وأرفض رفضا قاطعا التعامل بقسوة مع المحتجين. لا يمكن قبول أن يقمع الفلسطينيُّ الفلسطينيَّ، بغض النظر إن كان لدى الجهات الأمنية معلومات حول جهات معينة لها علاقة بالحراك.
إن أضخم تظاهرة جماهيريةلرفض الحصار والجوع هي مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت قبل عام، ولكن التغطية التي حظيت بها بعض مشاهد الاحتجاجات الداخلية في غزة أكبر بكثير مما حظيت به مسيرات العودة الكبرى، لأن مسيرات العودة مؤلمة بالنسبة للاحتلال ومن يتساوق معه من العرب. قبل أسابيع خرجت مسيرات بالآلاف إن لم تكن بعشرات الآلاف للاحتجاج ضد قطع الرواتب، وتلك أيضا لم تأخذ نصيبها في الإعلام لأنها ليست ضد حركة حماس.
والآن ننتقل إلى "التعاطف" المزيف مع الجياع ومطالبهم؛ بعض الفصائل التي خرجت تتباكى على الجياع وحقهم في التعبير ترفض رفضا قاطعا دخول الأموال القطرية، وتصفها بالمسمومة والمسيسة والملعونة أحيانا. فصيل آخر احتج أحد قادته على سياسة مصر في فتح المعبر وعدها "تنفيسًا" عن قطاع غزة، فهو يريد لغزة أن تنفجر، ويعاتب مصر على خطواتها التنفيسية، فهل هذا حقا يريد إنقاذ الجياع أم يريد الضغط عليهم فقط لينفجروا؟؟
فصائل متعددة اجتمعت بالأمس وطالبت الأجهزة الأمنية بالانسحاب من الشوارع، وطالبت حركة حماس بالاعتذار للشعب، كما طالبتها باتخاذ خطوات متعددة للتخفيف عن الناس، وأنا بصراحة لو مكان حماس لجددت الدعوة لتلك الفصائل لتشكيل لجنة لإدارة غزة واستلامها ما داموا يملكون الحلول ومفاتيح الخير، فإن اعتذروا عليهم أن يتحملوا المسؤولية، وعلى الأقل عليهم أن يكفوا عن تقديم النصائح وركوب الموجة، أما بالنسبة للمعاناة في قطاع غزة فإنها تقترب من نهايتها، وقد يكون ذلك هو السبب في فقدان البعض صوابهم.