في عصر التكنولوجيا الحديثة تغيرت معالم الحياة، وبدا كل شيء مختلفا من حيث قرب الأشياء وسهولة الحصول عليها. واحتكاك المجتمعات المختلفة بصورة أكبر مع بعضها البعض أوفد إلينا ثقافات متعددة. والانفتاح على الثقافات المختلفة أمر طبيعي وله فوائد جمة من ضمنها تبادل المنفعة والاطلاع العلمي وغيره، لكن هناك من السلبيات ما يفد إلينا ونستقبله بكل حفاوة دون حذر.
أثر الانفتاح في علاقاتنا المجتمعية فولد سيولة العلاقات بأشكالها المختلفة، بدءا من سيولة العلاقات الإلكترونية وانتهاء بسيولة العلاقات على أرض الواقع بجميع أشكالها.
من الملاحظ في المدة الأخيرة أن نسبة الاختلاط بين الجنسين ازدادت بشكل كبير بسبب متطلبات الحياة وخوض المرأة في سوق العمل، لكن المشكلة لا تكمن هنا بل تكمن في شكل العلاقة بين الجنسين في العمل أو في المؤسسة التعليمية. على العلاقة أن تُبنى على الاحترام بداية ثم يكون منفذها الضرورات والمتطلبات العامة فلا تتحول إلى علاقات خاصة أو إسهاب في العلاقة بما ليس لازمًا من الحديث في أمور شخصية أو كلام عابر لا قيمة له يلحق به مناوشات من النعومة والابتسامات والأسئلة التي لا تمت بصلة لعمل أو نقاش علمي أو نقاش قضية مجتمعية أو فكرية، بمعنى أن يكون الحديث ذا مغزى ومنفعة.
من الأفضل في العلاقات إيجاد حدود وترك مسافة من الرسمية بين الطرفين حتى لا يتجاوز طرف الآخر، هذه الحدود ما دامت وُجدت من البدايات وظلت على حالها تظل العلاقة في طورها العادي الذي يذكّر الطرفين بالمسافة، لكن إن ألغيت المسافات والحدود فستتغير العلاقة تلقائيًا، وتصبح فيما بعد سائلة، مائعة غير قادرة على تحديد قوانين بل تنزلق دون وعي ولا حذر.
من أخطر ما يهدد بيوتنا سيولة العلاقات وما ينتج عنها من مشاكل، وربما الأكثر انتشارًا سيولة العلاقات الإلكترونية وما يدور في الغرف المغلقة خلف شاشات الأجهزة، فإن كان الحديث غير مبني على وعي وفهم لمنحى العلاقة وحدودها، كان الأمر سلبيًا وانعكاساته خطيرة، فقد تصل حد الإدمان عند الشباب.
يمكننا أن نعترف أن هناك علاقات غير مشروعة يدور فيها ما يدور وهذا أمر أكيد، لكن وقوفنا عند المشروع منها وطريقة التعامل معه بدءا بالتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي على العام، فيكون التعليق بلباقة في حدود ما نرتضيه لأنفسنا، ولا تجاوزات فيه، فلا تسمح فتاة لنفسها أن يصل التعليق مرحلة الغزل مثلاً، فهي بهذا تسمح بالتجاوزات فيما بعد بسكوتها عن هذا وتعاطيها معه وهكذا.
وبالانتقال للحديث على الخاص، فالحديث يكون مع مَن تعرف شخصياتهم وليس بالضرورة قابلتهم في الحياة، بل من هم وكيف هي أخلاقهم؟ والحديث الذي تتحدث به ما الهدف من ورائه؟! عمل أو مساعدة أو نقاش مسألة علمية للفائدة والاستفسار أو تسلية وعبث ؟.
هذا ما يحدد بداية سبب الحديث، ثم تأتي بعد ذلك هيئة الحديث في المحادثة أو النقاش، هل يخرج عن طبيعته؟ هل يتخلله ما يشينه؟ هل تخشى أن يطلع عليه أحد؟ هل تتجرد من الحدود في حديثك والرسميات ولا تراعيها، فتستشعر ميوعة الحديث وانحرافه عن مساره؟
كل هذه التساؤلات عليك طرحها على نفسك، وتحديد إطار للعلاقة فلا تتركها سائلة تجرك إلى حيث لا تدري، بل عليك أن تتعامل بوعي كبير في العلاقات، وتحافظ على تحديد أطرها، وتبنيها على حدود مرسومة منذ نقطة انطلاقها، فلا يختلط الحابل بالنابل ولا تعرف أين تسير.
لا تتركوا علاقاتكم دون قوالب، فتتسرب كوادٍ وتجرفكم معها، بل أقيموها على الاحترام وحدود الشرع، ولا تخجلوا أن تكونوا متشددين في مواضع تحتاج لذلك، ومتطرفين جدا عند حدود الأخلاق.