الغيرة صفة محمودة في مواضع، مذمومة في أخرى، فهي نتاج شعور يعبر عن حاجة عاطفية ما، قد تتعلق بأشخاص، وقد تتعلق باحتياجات وأملاك.
ومن الغيرة المحمودة غيرتك على نفسك، نعم، تغار عليها أن تظهر بمظهر غير لائق، وليس بالضرورة أن يكون المظهر شكليًا فحسب، بل يتعلق ببنية شخصيتك الداخلية التي تنعكس على تصرفاتك وعلى طريقة فكرك. فكيف تغار على نفسك؟ وممن؟ عليك أن تعترف لنفسك أولًا بأنك تغار، ثم تتبع خيط الغيرة واتجاهه... وفي الغيرة المحمودة نقدم نموذجين:
نعم، إني أغار، أغار من تلك التي تكون أكثر مني التزامًا في لباسها وحجابها،ثوبها ملتزم أكثر مني، وعبادتها أكثر عمقا من تأديتي لعباداتي، أريد أن أصل لدرجة قناعتها التي وصلت إليها لأكون أفضل. نعم، أغار من تلك التي تجد في دراستها وتبذل مجهودًا أكبر مني لتتفوق، وليس ذلك محصورًا في التخصص أو مجال عملي فحسب، بل يشمل كل التخصصات ومجالات العمل المتعددة، فبالنهاية الهدف التفوق والقدرة على الإدارة بشكل صحيح وليس النظر للمنافسة غير المحمودة والتي توصل للحقد والحسد، _رغم أني قادرة على فعل ذلك ولا أفعل_ لا أغار منها كمتفوقة، أغار من طريقة إدارتها لحياتها الأكاديمية، فأغبطها لأني أريد لنفسي الأفضل، أريد أن أنظم دراستي أو عملي بشكل أفضل.
نعم، إني أغار من تلك التي تهتم ببيتها أكثر مني، تحافظ على ترتيبه ونظافته وأناقته بشكل يفوق ما أفعله أنا، تهتم بأسرتها بشكل أفضل مما أفعل، لا تقصر مع أسرتها( أمها، أبيها، إخوتها، زوجها، أبنائها) توليهم اهتماما وعناية تفوقان اهتمامي وعنايتي بأمي وأبي، تفوقان اهتمامي بزوجي وأبنائي. أغار على نفسي كيف لها أن تكون مقصرة مع الأحبة، أغار عليها أن تكون موضع مساءلة عند الرحمن عن هذا وهي غافلة.
نعم، إني أغار من تلك التي تشغل أوقات فراغها بالقراءة، التي تواظب على تغذية عقلها باستمرار، من تلك التي تحفر في الصخر لتصل، تلك التي تهتم بالتفاصيل الإيجابية في الحياة لا السلبية... أغار من كل هذا، أريد أن أكون مثلها.
نعم، إني أغار من ذلك الشاب الملتزم الذي لا يشغله صنع العجب في شكله، أنيق ببساطته وشكله الذي يوحي بشخصيته ورجولته، لا يثير شعره، ويعبث ويتفنن في تسريحاته، من لباسه المهندم النظيف المرتب، لا يركض خلف موضة بلهاء لا تمت لثقافتنا بشيء.
نعم، إني أغار من لهفته على صلاة الجماعة إن فاتته في المسجد، فأراه يركض على عجل ليلتحق بها، أغار من ذلك الشاب الذييترك عمله بمجرد سماعه الأذان ويحافظ على الصلاة في وقتها. أغار من محافظته على معرفته لكتاب الله قلبا وقالبا، من قدرته الفائقة على النقاش والإتيان بالحجج المنطقية، ومن قدرته على تحمل المسؤولية تجاه والديه ونفسه.
أغار من الذي ينتمي للغته، فلا يحاول أن يدخل عليها ألفاظا غريبة ليتظاهر بمظهر المتحضر، ويشعر بالدونية مع لغته العربية. أغار من ذلك الذي يتحدث مع الناس بلطف، فيكسب ودهم سريعا. أغار من الذي يساعد الناس ولا يقصر معهم... كيف لا أغار على نفسي وعلاقتها بربها متضعضعة أو ضعيفة؟! كيف لا أغار عليها وأنا ألاحظ هشاشتها وضعفها ونقص تهذيبها أو قلة خبرتها في التعامل مع الآخرين؟! كيف لا أغار عليها وهي ضعيفة ليس لها على جلد الحياةوالمسؤولية؟!
علينا أن نفعل هذا الصوت بداخلنا بشكل إيجابي ( نعم، إني أغار) والغيرة هنا غيرة محمودة تتلبس دور الغبطة مع الآخرين وغيرة على النفس من كل نقص، فتحاول قدر استطاعتك أن تصل بها إلى كل جميل، إلى كل إيجابي. لا تترك نفسك مكشوفة بضعفها، بتقصيرها، بتخاذلها، بهشاشتها، مطلوب من كل واحد منا أن يغار على نفسه فيلبسها ثياب الفضيلة ما استطاع إليه سبيلا... ثم إني أغار من كل هذا وجدا.