فلسطين أون لاين

السَّنَة للشدّةِ، والعامُ للخيرِ.. نقاشٌ في السَّنَة! (2)


نكمل الحديث عن بعض معانٍ للسَّنَة والسنين ودلالتها اللغوية في القرآن، مع تعليقات ثلاثة ختامية مهمّة في دلالات الفروق اللغوية لمثيلات هذه الأمور في القرآن الكريم ولغتنا الغرّاء:

4- ثم ماذا يمكن أن توصف مدّة طويلة جدًّا حتى لو كانت بحساب بعض الأمم سبعين سنة وقليلًا؛ إذ لم يسلم سوى بضعة نفر، حتى بهذه الحسبة المفترضة المحتملة يخرج لك واحدٌ كل سنة –يا لله-، لا يمكن أن يوصف هذا إلا بما يعبر عنه بالشدّة سنينَ "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ".

5- "هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ"، فالعملية الرياضية تتطلب ذهنًا حاضرًا، وتركيزًا لا يصلح له إلا الأقلّون، أما الأكثرون فيعانون، فضلًا عن أنّ خلق الإنسان في كَبَد يلزم منه أن تكون معظم أيامه اختبارًا، بل غالبُها، وهو الذي يناسب وصف مجموعها بالسنين لا الأعوام؛ لأنّ الخير في بطنها قليل، بل هو بحسابه إلى العيش الأخروي قليل كذلك، وهذا الذي يفهمنا لماذا أطلق الوصف بالسنين على وقت عيْش فتية الكهف في كهفهم، "فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً" و"وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً"، فهو مكوث من غير إرادة، إلا أنّ هذا تحديدًا يجعلنا نسأل: هل هذه السنوات قريبة من سنوات عصرنا أم لا؟ (أقصد في احتمال حسبان السنوات في القديم حسابًا متعددًا)، ومقصدي هنا أنّ تغير الأجيال لدرجة تتغير فيها العملة ويتغير فيها الدين، يتطلب زمنًا طويلًا نسبيًّا.

6- "أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ"؛ لأنها كانت ابتلاءً وامتحانًا وإملاءً واستدراجًا لهم.

7- فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ"؛ هذه سنوات الانتظار بعد هزيمة وانكسار تكون فيها النفوس في حالة اختبار على أحرّ من الجمر؛ اختبارًا لمستوى إيمانهم، وانتظارًا منهم للخلاص، وهو انتظارٌ شديدٌ لتوقِ النفس البشرية للفكاك من الأوقار بسرعة.

3 ملاحظــــات مهمّـــة:

1- هذا لا يضير السياقَ الذي ذكر فيه الأخُ الكريم كلامَه؛ فقد جاء متقنًا كعادته في مثل هذه الأمور، لكن ما لزّني للتعليق أنّي رأيت حضرته –حفظه الله- أكثر من مرّة وقد تلبّس بأحكام سابقة في مواقفَ بعينها، فلا يذكر إلا ما يؤكد فكرته فقط، وهذا بحدّ ذاته يحتاج من حضرته لمراجعات منهجية في هذه الجزئية تحديدًا، وجعلنا الله وإياه خادمين لدينه، مدافعين عن كتابه، مناصرين سنة نبيه، مفيدين أمتَه والعالمين.!

2- المسألة في التفرقة بين اللفظيْن أغلبيّة؛ فقد تجد بعض إطلاقات عند العرب لإحدى الكلمتين على الأخرى إذا خُصّص معناهما، إلا أنّ المناقشة هنا فيما ورد في معنى سني العمل والدأَب التي تسبق السبع الشداد، ولو قال: إنّ لها وجهًا بحسب النتاج أن تدل على الخير، ربما يكون له وجاهة إذا أصّل للمسألة أو كان لها تأصيل، وليس في إبطال هذه التفرقة التي لها أصل عربيّ واختيار قرآنيّ.

3- على أنّ هذه النقطة الثانية لا يمكن أن تكون مدخلًا للمقبولية في الطرح؛ لأنه في الاستخدام اللغوي وفروقاته الكلامية القاعدةُ أنه إذا ترادف معنى كلمتين وكان في إحداهما معنى مزيدٌ على الأخرى فإن القرآن يستخدم التي مع المزيد، وهذا فرقٌ لطيفٌ فليراعَ.

ولعلّنا نفرد مجالًا آخرَ للحديث عن العام، أو مسائلَ متعلقة بهذا السياق، دعواتي الواصبة.!

والله من وراء القصد.!