لعل العنوان أعلاه أكثر ما يشغل أجهزة الأمن الإسرائيلية خلال التحقيق في الهجمات المسلحة التي تنفذها المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية: ما سبب نجاح المسلحين الفلسطينيين في القدرة على الانسحاب من ساحة الهجمات، وبقائهم لعدة أسابيع أو أشهر، دون نجاح الجيش الإسرائيلي في إلقاء القبض عليهم؟
هذا يعني أن هناك نوعا من الدعم الجماهيري والحاضنة الشعبية المتوافرة في الضفة الغربية لتأييد هذه العمليات، ما يساعد المنفذين في التخفي عن عيون أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية، وتحولهم إلى نماذج قابلة للمحاكاة والتمجيد.
مع العلم أن عام 2018 شهد تنفيذ سلسلة هجمات مسلحة بإطلاق النار ذات طابع عسكري تقف خلفها تنظيمات فلسطينية، ووفقا للتحقيقات الأمنية التي يجريها الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك"، فقد أبدى المنفذون قوة لافتة في مهاجمة الأهداف الإسرائيلية، وحظوا بمساعدة محيطة بعد انسحابهم من أمكنة العمليات بدليل بقائهم مختفين عن أنظار الجيش الإسرائيلي فترة طويلة نسبياً.
لقد شهد الشهور المنصرمة في الضفة الغربية سلسلة من العمليات الشعبية المتمثلة بالطعن بالسكاكين، والدعس بالسيارات، وإطلاق النار، رغم ما شهدته ذات الفترة من حملات اعتقالات إسرائيلية طالت آلاف الفلسطينيين، وأحبط الشاباك قرابة 480 هجوما فلسطينيا، بمعنى إحباط تسع هجمات أمام كل هجوم ينجح على الأرض، وهذا العدد يشير إلى معدلات عالية من دوافع الفلسطينيين لتنفيذ الهجمات.
في الوقت ذاته، تبدي إسرائيل ارتياحها "المؤقت" لعدم تمكن حماس من الإمساك بزمام المبادرة في تلك العمليات بالضفة الغربية، وعدم القدرة على تحويلها إلى طابع عسكري، بما قد يؤدي لتثوير الشارع الفلسطيني ضد إسرائيل، سواء من خلال التحريض الإعلامي والدعائي، أو تشكيل الخلايا المنظمة، والسبب في ذلك حالة الملاحقة الأمنية المكثفة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، وبجانبها السلطة الفلسطينية.
يبدو مهماً أن نختم هذه السطور بمعطيات إحصائية نشرها مركز تراث الاستخبارات الإسرائيلية ضمن إجماله للحصاد السنوي لعام 2018، وجاء فيها أن العام المنصرم شهد تنفيذ قرابة 55 هجوما مقابل 82 لعام 2017.
وأوضحت المعطيات أن عام 2018 شهد مقتل 12 إسرائيليا، في حين قتل 18 في عام 2017، ويمكن تقسيم العمليات التي شهدها عام 2018 في الضفة الغربية على النحو الآتي: 22 عملية طعن مقابل 46 في 2017، إطلاق نار 13 مقابل 20 في 2017، الدعس بالسيارات 13 عملية مقابل 10 في 2017.
ما تقدم يعني أننا أمام ظاهرة من عمليات المقاومة في الضفة الغربية ترتفع وتنخفض، لكن الأهم فيها حالة الحاضنة الشعبية التي ما زالت تنظر إليها بإيجابية عالية، رغم ما تتعرض له هذه الحاضنة من ضغوط وملاحقات في شتى المجالات، ومن مختلف الجهات.