فلسطين أون لاين

​التسلّط على نوايا الآخرين سوء للظن

...
غزة- هدى الدلو

بعض الناس ينصّبون أنفسهم حكامًا على نوايا الناس، ويقول ابن القيم: "والله إن العبد ليصعب عليه معرفة نيّته في عمله، فكيف يتسلط على نيات الخلق"، فمن الأخطاء العظيمة التي يقع فيها البعض الحكم على نيات الآخرين.

الداعية الدكتور عبد الباري خلة قال: "إنّ ممّا يُبتلى به النّاس سوء الظنِّ ببعضهم، قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا"، وسوء الظنِّ مَظنّة جانب الشرّ وتغليبه على جانب الخير".

وأشار إلى أن الخوض في الخيال المُسيء والخطأ في حالة مُواجهة فعلٍ يُمكن أن يكون له تفسيران، صحيح وخطأ؛ كمن رأى رجلاً مع امرأةٍ فخاض في خياله دون تبيُّن، وحلّل أنّ المرأة أجنبيّة وليست من محارمه.

وأضاف د. خلة: "فلا يجوز للمسلم أن يظن بإخوانه إلا خيرًا، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ"، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ لَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ: "مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللهِ مِنْكِ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلَاثًا: دَمَهُ، وَمَالَهُ، وَأَنَ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ".

وذكر قول الغزالي: (فلا يُستباح ظنُّ السُّوء إلا بما يُستباح به المال، وهو نفس مشاهدته أو بيِّنةٍ عادلةٍ فإذا لم يكن كذلك، وخطر لك وسواس سوء الظَّن، فينبغي أن تدفعه عن نفسك، وتقرِّر عليها أنَّ حاله عندك مستور كما كان، وأنَّ ما رأيته منه يحتمل الخير والشَّر. فإنْ قلت: فبماذا يُعرف عقد الظَّن والشُّكوك تختلج، والنَّفس تحدِّث؟ فتقول: أمارة عقد سوء الظَّن أن يتغيَّر القلب معه عما كان، فينفِر عنه نُفُورًا ما، ويستثقله، ويفتر عن مراعاته، وتفقُّده وإكرامه، والاغتمام بسببه، فهذه أمارات عقد الظَّن وتحقيقه).

وأوضح د. خلة أن سوء الظّن بالمسلمين من الكبائر؛ لأنه حكم بمجرّد التهيّؤات والخيالات، ويحمِلُ مُسيء الظنّ على احتقار الناس، والوقوع فيهم، وتبلغ تأثيراتها بأنها تعزلُ الفرد عن مُجتمعه، وتجعله خائفاً منهم.

ومن الآثار أيضًا، بين أنه سبب للوقوع في الشّرك والبدعة والضّلال. قال ابن القيم: (الشّرك والتّعطيل مبنيّان على سوء الظّن بالله تعالى)، سبب في استحقاق لعنة الله وغضبه: قال ابن القيم: (توعَّد الله سبحانه الظّانين به ظنَّ السّوء بما لم يتوعّد به غيرهم).

ولفت د. خلة إلى أن التسلط على نوايا الآخرين سبب للمُشكلات العائليّة قال الغزالي: (مهما رأيت إنسانًا يُسيء الظنّ بالنّاس طالبًا للعيوب فاعلم أنّه خبيث الباطن، وأنَّ ذلك خبثه يترشح منه، وإنّما رأى غيره من حيث هو، فإنّ المُؤمن يطلب المعاذير، والمُنافق يطلب العيوب، والمُؤمن سليم الصدر في حقّ جميع الخلق)، ولا تنفعه عبادته ما دام يظنّ السّوء بغيره.

وأنهى حديثه بقصة جندب بن عبد الله رضي الله عنه: "أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث سرية فرجعوا وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بالانتصار، ففرح وسر وتهلل وجهه، ثم أخبروه بأن رجلاً من المشركين كان يضرب المسلمين ذات اليمين وذات الشمال، ولا يبرز له أحد من المسلمين إلا قتله، فلما تمكن منه أحد المسلمين ورفع عليه السيف قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، فقتله هذا المسلم، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وتغيظ عليه، وكان هو من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد حبه وابن حبه، وقال له: يا أسامة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟! قال: يا رسول الله! إنما قالها تعوذاً -خوفًا من السيف-، قال: هلا شققت عن قلبه؛ حتى تعلم أقالها كذلك أم لا؟ فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءتك يوم القيامة؟ حتى قال رضي الله عنه: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ".