أربع سنوات وهو يتنقل من مدينة إلى أخرى، فدوّخ معه جيش الاحتلال بأكمله طيلة تلك المدة، إنه الشاب فادي الدربي (19 عامًا) ابن مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المُحتلة، المُلقب بـ"الشرس ولا يهاب الموت".
رحلة الملاحقة بدأت مع "الدربي" وهو في العام الـ14 من عمره، أربك خلالها حسابات الاحتلال، لاسيّما أنه نجا من أربع محاولات اغتيال فاشلة رغم إصابته أكثر من مرة في مواجهات مباشرة مع جنوده.
كانت آخر جولات الملاحقة في 16 آذار (مارس) 2006م، حينما حاصرته قوات من جيش الاحتلال في أحد المنازل بجنين، واشتبكت معه مباشرة، كما يروي شقيقه رامي (39 عامًا) لصحيفة "فلسطين".
استمرت محاصرة المنزل والاشتباكات وإطلاق النار المُتبادل أكثر من عشر ساعات متواصلة، مع رفضه المُطلق الاستسلام وتسليم نفسه لجيش الاحتلال، الذي أغاظه ذلك وأربك حساباته" يُضيف رامي.
"لم ينتهِ الأمر بعد، حتى وصل الأمر بجيش الاحتلال إلى إنزال قوة خاصة عبر طائرة حربية على سطح المنزل، ما أدى إلى إصابته مباشرة واقتياده إلى الأسر"؛ بهذا يصف شقيق "فادي" المشهد.
جيش الاحتلال كعادته لا يرحم كل مقاوم ومناضل فلسطيني، فانهال عليه بالضرب حينها، ثم عرضه على المحاكمة "الظالمة"، وهنا يقول "رامي" -وهو أسير محرر-: "أصدرت محكمة الاحتلال عليه حكمًا بالسجن 70 سنة".
ويتابع: "العائلة خصصت محاميًا لمتابعة قضية فادي، استطاع تخفيض الحُكم إلى 14 سنة".
كان يقبع فادي في سجن "ريمون" الصحراوي، وفي أثناء خروجه إلى ساحة "الفورة" –وكان قد أمضى سبع سنوات- لم يقبل إعلاء "علم" كيان الاحتلال فيها، فاندفع نحوه مسرعًا ثم أنزله وداسه بقدميه، وهو ما لم يرق إدارة السجون، فانهالت عليه بالضرب المُبرح.
وبحسب إفادة شقيقه رامي نقلت إدارة سجون الاحتلال فادي إلى سجن مجدو عقابًا له على موقفه، ورفضه التسليم على مدير السجن هناك، ثم إلى النقب، ووضعته في زنزانة صغيرة، مع تشديد الحراسات عليه.
لم تكتفِ إدارة السجون عند هذا الحد، فنقلته إلى سجن "شطة" -والكلام لشقيقه رامي- حيث المعاملة السيئة والإهمال، إلى أن عاد به المطاف إلى سجن "ريمون"، فأمضى من محكوميته 10 سنوات.
المرض والشهادة
بدأت حكاية المرض مع الأسير "فادي الدربي" بعد أيام من وصوله إلى سجن "ريمون"، فيذكر رامي أن فادي أصابه فجأة ألم شديد في الرأس، أوقعه أرضًا.
ويتابع: "هذه الحادثة مع "فادي" كانت عند الحادية عشرة مساءً، إذ ظل ملقى على الأرض مدة خمس ساعات دون تقديم أي علاج له من إدارة السجن"، وهو ما عدّه "إهمالًا طبيًّا متعمدًا".
بعد انقضاء تلك الساعات -والحديث لرامي- توجهت إدارة السجن ونقلت فادي إلى مستشفى "سوروكا"، لكنّ ذلك "كان متأخرًا".
"جلطة ونزف حاد في الدماغ"، كان ذلك هو تشخيص الأطباء في "سوروكا" لحالة فادي، دخل بعدها في حالة "موت سريري"، وأصبحت حياته مرهونة بأجهزة التنفس الاصطناعي، وفق حديث شقيقه.
ويشير إلى أنه "بعد تردي حالة فادي الصحية كثيرًا أراد الاحتلال تسليمه إلى أهله، لكنهم رفضوا ذلك، وحمّلوه المسؤولية الكاملة عن حياته".
في 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2015م فاضت روح فادي إلى خالقها، علمًا أن عائلته كانت في زيارة إليه قبلها بأربعة أيام في أثناء وجوده بالمستشفى، ولم تكن تعلم أنها ستكون الأخيرة.
هذه هي نتيجة سياسة الإهمال الطبي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونه، وأودت بحياة 219 أسيرًا، منهم "فادي الدربي".
ويستنكر شقيق الشهيد تلك السياسة "الدنيئة" التي يمارسها الاحتلال على الأسرى، دون رحمة أو شفقة، مع سكوت عربي ودولي، متسائلًا: "إلى متى سيبقى هؤلاء يتفرجون على جرائم الاحتلال بحق الأسرى؟!".
ويستذكر رامي لحظات تسليم الاحتلال جثمان شقيقه "فادي"، حينما استقبله آلاف الجماهير من جنين، لكونه حسن الصيت والسُمعة، وقد استقبلته والدته برش الورود على المشيعين، وإطلاق الزغاريد، عملًا بوصية "فادي" الشفوية التي كان يرددها أمام أصدقائه في السجن أن "لا يبكيني أحد في حال استشهادي".
وعن تحركات عائلته يذكر أنه منذ استشهاد ابنهم طالبوا بمعرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك، وذهب طبيب تشريح للقيام بتلك المهام، لكنّه لم يُطلعهم على النتائج حتى الآن، رغم مرور ثلاثة أعوام على الاستشهاد، مشيرًا إلى أنهم تقدموا برفع قضية في المحاكم ضد الاحتلال، لكن دون أي نتيجة حتى الآن.