بين جدران متشققة وسقوف تتدلى كساعة رملية توشك أن تنفد، يعيش أهالي حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة فصلاً آخر من فصول المعاناة المفتوحة على كل الاحتمالات القاتلة، حيث لم تعد البيوت عنوانًا للأمان، بل تحولت إلى تهديد دائم للحياة، بينما الخيام التي فُرضت كبديل طارئ أثبتت عجزها الكامل عن حماية البشر من برد الشتاء وقسوته.
في هذا الواقع المأزوم، خرج الأهالي عن صمتهم ونظموا فعالية تضامنية أمام منزل عائلة لبد في حي الشيخ رضوان، حمل خلالها الأطفال لافتات تختصر وجع الكبار قبل الصغار: "أطفالنا يستحقون الدفء"، "أنقذونا من قسوة الشتاء"، "الكرفانات حل عاجل وليس دائم". مطالبين بتوفير الكرفانات الآمنة لإنقاذ الأرواح ومنع تكرار مشاهد الموت الصامت تحت الأنقاض.
والاثنين الماضي، ارتقى خمسة شهداء من عائلة لبد في حي الشيخ رضوان جراء انهيار المنزل عليهم، الذي كان قد تعرض لقصف إسرائيلي في وقت سابق.
يؤكد عماد لبد متحدثًا باسم أصحاب المنازل الآيلة للسقوط، أن ما يجري في غزة هو امتداد لمعاناة عمرها عقود، بلغت ذروتها مع حرب الإبادة الحالية التي لم تترك شجرًا ولا حجرًا ولا بشرًا إلا واستهدفته.
ويشير لبد في كلمة له خلال الوقفة إلى أن تصريحات الدفاع المدني تؤكد أن نحو 90% من بيوت حي الشيخ رضوان آيلة للسقوط وغير صالحة للسكن، ومع ذلك اضطرت عائلات كثيرة للبقاء فيها رغم الخطر الداهم، لعدم توفر بدائل حقيقية.
ويشدد على أن الخيام، غير صالحة من حيث المساحة ورداءة النوعية، وقد غرقت خلال أول منخفض جوي، لتتحول إلى مصائد للموت بدل أن تكون مأوى.
وقال إن الاحتلال لا يزال يمنع إدخال المعدات الثقيلة والسولار، ما يعيق عمل طواقم الدفاع المدني والجهات المختصة، ويحول دون إزالة الأخطار أو إنقاذ الأرواح. ووجه نداءً عاجلًا للعالم الحر للضغط من أجل إدخال ما تحتاجه المستشفيات والدفاع المدني، والسماح بإدخال الكرفانات كحل مؤقت يحفظ ما تبقى من كرامة الإنسان.
من جانبه، أكد محمود بصل، المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني، أن غزة تشهد نوعًا جديدًا من القتل، ليس بالقصف المباشر، بل بانهيار المباني على رؤوس ساكنيها. وأشار إلى أن خمسة مواطنين من عائلة لبد ارتقوا جراء انهيار المنزل على رؤوسهم، بينهم أطفال، في مشهد يجب أن يُكتب في سجل الجرائم الإنسانية.
وشدد بصل في كلمته على أن الخيام أثبتت فشلها الكامل في غزة؛ فهي لا تقي من البرد ولا الحر ولا المطر، ولا تصلح للحياة الآدمية. ولو كانت صالحة، لما مات الأطفال من البرد، ولما انهارت الخيام مع أول عاصفة.
وأوضح أن آلاف المباني في غزة آيلة للسقوط نتيجة سياسة الاحتلال التي تعتمد على تدمير جزئي متعمد للمباني، مع علمه أنها ستنهار لاحقًا من تلقاء نفسها.
ولفت إلى أن أكثر من 20 مواطنًا استشهدوا جراء الانهيارات، فيما تلقى الدفاع المدني أكثر من 5 آلاف مناشدة من عائلات تقطن مباني مهددة.
وطالب بصل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بالتحرك العاجل لإدخال الكرفانات المجهزة ومواد البناء الأساسية، مؤكدًا أن أكثر من 2.3 مليون إنسان في غزة يعيشون أسوأ لحظات حياتهم، وسط ما وصفه بـ“نفاق العالم” الذي يقبل أن يعيش سكان غزة بهذه الطريقة اللاإنسانية.
فيما خاطبت الطفلة رهف المقيد العالم بأن ينقذوا الأطفال من خطر انهيار البيوت الآيلة للسقوط على رؤوس ساكنيها، وقالت إن عائلة لبد اختارت السكن في بيت آيل للسقوط لأنه "أكثر دفئًا من الخيام، رغم خطورته على حياتهم. خيار قاسٍ فرضه إغلاق العالم لكل الأبواب، والاكتفاء بخيام لا تصمد أمام أول مطر أو هبة ريح".
وأكدت أن آلاف العائلات اليوم تواجه خيارات مستحيلة: الموت بالقصف، أو الغرق، أو البرد، أو التشرد، بينما يقف الحل المؤقت عند بوابة معبر لا يبعد سوى كيلومترات، ينتظر قرارًا سياسيًا بإدخال كرفانات يمكن أن تعيد شيئًا من الدفء والكرامة إلى حين بدء الإعمار.
وتجسد هذه الفعالية صرخة إنسانية أخيرة في وجه العالم الذي لا يزال يلتزم الصمت جراء ما يحدث في قطاع غزة، حيث يطالب الأهالي بإدخال الكرفانات فورًا، كحل إنساني عاجل لا يحتمل التأجيل، قبل أن يضيف الشتاء أسماء جديدة إلى قائمة ضحايا الانهيارات والبرد، وقبل أن تُدفن الكرامة الإنسانية تحت ركام البيوت المهددة بالسقوط.

