انفض مؤتمر وارسو، وبدأت جردات الحساب الإسرائيلية لمعرفة الرابحين والخاسرين منه، في ظل الأهداف التي رفعت من أجل انعقاده، وماذا تحقق منها، وما لم يتحقق.
ليس سرا أن إسرائيل تطلعت من المؤتمر لإيجاد تحالف إقليمي دولي لمواجهة إيران، ودمج نفسها في المنطقة العربية، في حين أشار التمثيل الرفيع للدول العربية في قمة وارسو إلى منح فرص جيدة للإدارة الأمريكية في تنفيذ مخططاتها لإقامة تحالف على غرار الناتو العربي، تكون فيه الدول العربية كاملة العضوية، ليس فقط الدول الخليجية، بل مصر والأردن والمغرب وتونس. صحيح أن ذلك لم يتحقق في وارسو، لكنه في المستقبل قد يحصل.
خرجت العديد من التقارير من داخل ردهات مؤتمر وارسو، التي لم تجد نفياً عربياً، للأسف الشديد، من مراقبين حضروا القمة، عن استعدادات دول عربية للشراكة مع إسرائيل، بحيث تكون ضمن حلف معادٍ لإيران، على أن تكون من وراء الكواليس وتحت الطاولة؛ لأنه ما دامت القضية الفلسطينية لم تحل فإن العرب ليسوا مستعدين ليكونوا شركاء علنيين في أي مبادرة تكون إسرائيل جزءا منها.
مع العلم أن جلوس زعماء إسرائيليين مع نظرائهم العرب لم يحصل في قمة وارسو 2019 للمرة الأولى بحضور بنيامين نتنياهو، فقد تكرر الأمر سابقا في مؤتمر مدريد عام 1991، حين كان إسحاق شامير رئيسا للحكومة الإسرائيلية، لكن ذلك لا ينفي فرضية أن نتنياهو من أكثر الرابحين من قمة وارسو، حين خرجت صوره جالسا بجانب مسئولين عرب كبار على طاولة واحدة.
إن تلك الصورة تشكل اختراقا جديا في المقاطعة السياسية والدبلوماسية والنفسية لإسرائيل على الدول العربية، التي تعلن عدم تطبيع علاقاتها مع إسرائيل دون تحقيق حل نهائي للقضية الفلسطينية، لكن ما حصل في وارسو يعدّ خطوة جديدة باتجاه اعتراف الدول الشرق أوسطية بإسرائيل؛ تمهيدا للتطبيع معها.
لقد منحت قمة وارسو إسرائيل خطوة كبيرة باتجاه العالم العربي، الذي بدا يخرج أفكاره من الخزانة المغلقة باتجاه تطبيع علاقاته مع إسرائيل، وقد تبدى ذلك بصورة واضحة، سواء في تغطية القنوات التلفزيونية العربية لقمة وارسو، أو في الحوارات التي جرت بين الجانبين الإسرائيلي والعربي وراء الكواليس.
إن تقديم كشف حساب في نهاية أعمال مؤتمر وارسو سيظهر بكثير من الثقة أن إسرائيل ورئيس حكومتها نتنياهو حصلا على امتيازات أكثر مما دفعا من استحقاقات، في حين أن الدول العربية التي شاركت جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وأخذ زعماؤها الصور التذكارية مع نظرائهم الإسرائيليين، دفعت التزامات أكثر مما نالت من مقابل تسعى إليه، وهذه في مجملها دعاية انتخابية لا يحتاج نتنياهو لأكثر منها.