انشغل الفلسطينيون في اليومين الماضيين بالتقدير الاستخباري السنوي لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" حول توقعاته لأحداث العام الجديد من تطورات أمنية وعسكرية وعملياتية في العديد من الجبهات المحيطة بـ(إسرائيل).
من الطبيعي أن يحوز هذا التقدير السنوي على اهتمام الفلسطينيين، لاسيما عند حديثه عن إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية في الساحة الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، وهي الجبهة المتوترة على مدار الساعة، وتزداد فيها فرص الاشتعال على الهدوء، لذلك يبدو مهماً العودة لما أورده هذا التقدير الاستخباري عن الساحة الفلسطينية، وإمكانية الخروج باستخلاصات واقعية لهذه التقديرات.
فقد رجح التقدير الاستخباري الإسرائيلي زيادة فرص التصعيد العسكري مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة خلال العام الجاري، وأن فرص التصعيد في الساحة الفلسطينية آخذة في التزايد، وخاصة مع قطاع غزة، وأن الجيش الإسرائيلي لا يستبعد إمكانية قيام حركة حماس بتصعيد أنشطتها، وربما تبادر لهجوم ضد (إسرائيل) من أجل صدمها.
وقال التقدير في زاوية أخرى: إن هناك مخاطر من اندلاع مواجهة عسكرية في غزة، عبر عمليات مبادر إليها من خلال الأنفاق القتالية، وهناك احتمال بأن تبادر حماس لتنفيذ هجمات محدودة لا تتسبب بحرب واسعة مثل اختطاف جنود، وأن هذين الحدثين هما اللذان سيطرا على التقدير الاستخباري السنوي لهذا العام، وأن الإنذار الأساسي لجهاز الاستخبارات حذر من مغبة نشوب مواجهة في الساحة الفلسطينية، التي ما زالت موضوعة على الطاولة منذ سنوات.
المتابع لما تصدره أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في كل عام، لا يفاجأ بالسطور السابقة، على اعتبار أن بداية كل عام يشهد صدور تقدير سنوي يقدم للجهات المسئولة في (إسرائيل): هيئة الأركان ووزارة الحرب ورئاسة الحكومة، يقدم قراءته لتطورات السنة الجارية، لكنه لا يحمل بعداً خاصاً لهذا العام، أي أنه لا يتنبأ بقرب حرب وشيكة في غزة، كما "حرفت" ذلك بعض الوسائل الإعلامية الفلسطينية.
التقدير الاستخباري الإسرائيلي لهذا العام يقدم رؤية استشرافية لمآلات تطورات الجبهة الفلسطينية عموماً، وفي غزة خصوصا، ومن يعود لتقديرات إسرائيلية استخبارية في سنوات سابقة لا يرى اختلافات كثيرة عن تقدير هذا العام، باختلاف بعض المفردات والأسماء، ليس أكثر.
هذا ليس تهويناً من شأن التقدير الاستخباري الإسرائيلي، لكن المسألة بحاجة إلى قراءة آنية هادئة بعيدا عن الانفعال، أو محاولة توجيه التقدير وفق أمنيات وطموحات شخصية، لأن التقدير المذكور يخضع لمعلومات ومعطيات تجمعها وحدات وأقسام عديدة، تجمع المعلومات، ثم تحللها، فتخضعها لسيناريوهات، ثم ترجح أياً منها وفقاً لحقائق الميدان.
إن كان من سطر أخير في هذه الكلمات، فهي دعوة لأن تكون تقديراتنا الدورية خاضعة للمنطق والوقائع المجردة، وليس بناء على توجهات شخصية لمن يكتبها، أو بما ترغبه الجهات التي تقرؤها!