ما زالت الجبهة الشمالية ممثلة بسوريا ولبنان تحتل المرتبة الأولى في تفكير المؤسستين العسكرية والسياسية الإسرائيلية، في ضوء تزاحم التهديدات الواردة منها، بسبب كثرة اللاعبين فيها، الأمر الذي يمنحها أولوية متقدمة على سواها من الجبهات المحيطة بإسرائيل.
تعتقد أوساط إسرائيلية متزايدة أن القرار الذي اتفقت بشأنه الحكومة والجيش قبل عدة أعوام حول مهاجمة الوجود الإيراني في سوريا كان صائباً، رغم ما أثاره من انتقادات وتحفظات، خشية الدخول في مواجهة عسكرية واسعة في الجارة الشمالية، لكن مرور قرابة ثلاثة أعوام على تطبيق إستراتيجية "المعركة بين الحروب" التي انتهجها رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، القاضية بتوجيه ضربات مركزة لأي نواة لقاعدة عسكرية إيرانية، دون الاضطرار لخوض حرب شاملة، أثبتت مصداقيتها، على الأقل من وجهة النظر الإسرائيلية.
فضلا عن ذلك، ورغم التوتر الذي بدا في الأشهر الأخيرة بين تل أبيب وموسكو على خلفية إسقاط الطائرة الروسية في أجواء دمشق، لكن الروس ما زالوا غير معنيين، وكذلك الإسرائيليين، في كسر قواعد اللعبة مع بعضهما البعض، رغم تحفظات كل طرف على الآخر.
فإسرائيل من جهتها تتهم روسيا ضمناً بأنها تمنح الوجود العسكري الإيراني غطاء ورعاية، وإن لم تكن غير مباشرة، في حين أن الكرملين يتهم الإسرائيليين بتحدي "صاحب البيت" في سوريا ممثلا في بوتين، لأن الطيران الإسرائيلي يواصل توجيه ضرباته التدميرية لقواعد وشحنات أسلحة على مرأى ومسمع الدفاعات الجوية السورية المدعومة روسياً.
أكثر من ذلك، يرى الإسرائيليون أن إحجام إيران على الرد على ضرباتهم، رغم أنها مؤلمة، ومستنزفة لهم، قد تعتبر إنجازا لنظرية الردع الإسرائيلية في مواجهة أعدائها الذين يتابعون المشهد السوري عن كثب، فالمستهدف هي إيران التي تقود المحور المعادي لإسرائيل، وطالما أن رأس الحربة لا ترد على الاعتداءات الإسرائيلية، فهو قد يكبح جماح قوى أخرى تدور في ذات الفلك الإيراني عن الرد على أي هجمات إسرائيلية ضد تشهدها باقي الجبهات.
الحقيقة أن التوقف عند هذه النقطة جدير بالتأمل: فإيران، وفقاً لقراءات إسرائيلية أكثر تواضعاً، لا تريد أن تمسك بيديها هي الجمرة التي قد تحترق بها، فضلا عن أن الدخول في رد ورد مضاد على إسرائيل، قد يستجلب عدوانا إسرائيلياً عليها، وربما بمشاركة أمريكية، الأمر الذي قد يسفر عنه تشويش لمخططاتها في المنطقة، سواء كانت النووية منها أو التوسعية.