حين كان الجندي جلعاد شاليط أسيرًا لدى المقاومة في قطاع غزة، كانت المخابرات الإسرائيلية لا تكل ولا تمل في البحث عن طرف خيط يوصلها إلى مكان احتجازه، لا شك أنها لم تترك وسيلة إلا سخرتها لخدمتها ومنها الترغيب والترهيب، ومنها العملاء والوسطاء، ولكن كان هناك من يخدمهم دون علم او قصد، اولئك كانوا لا يكلّون ولا يملّون من التأكيد على أن أسر الجندي شاليط تسبب في استشهاد المئات من الفلسطينيين فضلا عن الدمار الذي حل بقطاع غزة.
السيناريو نفسه يتكرر مع مسيرات العودة، حيث نلاحظ دعوة العشرات من الكُتّاب ونشطاء مواقع التواصل بوقف مسيرات العودة بحجة أنها غير مجدية وأن الشعب الفلسطيني لم يحقق شيئا منها، وبعضهم استغل الاجرام الصهيوني باستهداف الأطفال ليزيد من عدائه للقائمين على مسيرات العودة ورميهم بتهم لا أصل لها، ومنهم من اتهم جهة بحرف بوصلتها واستغلالها لأهداف حزبية خاصة.
حسنًا، ماذا يريد هؤلاء؟ لديهم أفكار كثيرة وغالبيتها تتمحور حول استمالة المجتمع الدولي دون توجه إلى الحدود ودون التسبب بالمزيد من اراقة الدماء. ابتداء نقول: مجرم من يقبل أن تزهق روح فلسطيني، بغض النظر إن كان الشهيد طفلا أو شيخا، إن كان مدنيا أو عسكريا، فكلهم سواء، ولكن هذا لا يعني أن نرفع الراية البيضاء للعدو الإسرائيلي حتى لا تزهق الأرواح.
في آخر حرب على قطاع غزة استشهد أكثر من 1400 فلسطيني فهل تعاطف المجتمع الدولي معنا؟ هل تعاطفت الدول العربية معنا؟ اذًا كيف سنستعطفهم بفعاليات يريدون تصويرها على أنها مقاومة سلمية؟ مع التأكيد على أن مسيرات العودة هي مقاومة سلمية بامتياز.
من أغرب ما قيل من أفكار ما طرحه أحد الأصدقاء، ومما قاله : "في غزة يجب أن تتوقف جمعة الأسرى وجمعة الشهداء وغيرها من تلك الأسماء، ونذهب لجمعة المظلات السوداء وجمعة الأعلاموجمعة العشاق؛ كأن يحضر كل شخص مع زوجته، خطيبته، رفيقته وحمل أعلام صغيرة لفلسطين مع ورد، تكون جمع كلها حب ورومانسية"، جمعالعشاق والرومانسية هذه يمكن أن نضحك بها على السفهاء من قومنا ونستميلهم إلى مواقعنا الإلكترونية، أما إقحامها في صراعنا مع العدو الإسرائيلي فهذا أمر مشين لا يختلف عن أصحاب فكرة التحرير بالعري والشورتات والرقص المعاصر.
الادعاء بأن مسيرات العودة لم تحقق أي هدف لصالح الفلسطينيين ادعاء كاذب وهذا ما شهد به العدو قبل الصديق وأعتقد أنها ستستمر حتى تحقق هدفها الأساسي وهو رفع الحصار عن قطاع غزة، وخلاص غزة من حصارها بالقوة هو خطوة نحو التحرير الكامل لفلسطين، أما كثرة الخسائر في صفوف المشاركين فأعتقد أن المقاومة هددت بالرد على استمرارها علما بأن الخسائر أصبحت قليلة مقارنة مع بداياتها، ولكن ازهاق روح أمر جلل ولا بد من تفاديه ما أمكن إلا بالاستسلام.
ختامًا أقول: إن المشاركة في المسيرات خيار شخصي ولا أحد يجبر أحدا على المشاركة فيها، فمن يرى أنها غير مجدية ليس عليه حرج في عدم المشاركة ولكن هذا لا يعني محاربتها أو الدعوة إلى استبدالها بفعاليات تهريج وانحطاط.