فلسطين أون لاين

حذارِ أن تؤدي بك المنافسة إلى الحسد

...
غزة- مريم الشوبكي:


المنافسة في العادة يحث عليها علماء الدين للارتقاء أكثر في الطاعات والعبادات وفعل الخيرات، أو الارتقاء بالقدرات والمهارات، ولكن لهذه المنافسة جانب مذموم قد يطغى على الجانب المحمود، وهي أن تجعل المتنافس في صراع وتعب وتفكير، وربما تقوده إلى الحسد والبغضاء.

رئيس رابطة علماء فلسطين في رفح عدنان حسان بين أن التنافس في اللغة هو الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه، والعلماء يعدون هذا الأمر أولى درجات الحسد بمعنى تمني زوال النعمة.

التنافس المحمود

وأوضح حسان لـ"فلسطين" أن الشريعة جاءت تحث على التنافس، في قوله (تعالى): {خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}، وقوله: {أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}، وقوله: {لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

وأكد أن على الإنسان الذي يريد أن ينافس غيره أن يجعل تقوى الله هي الميزان له؛ حتى يحصن نفسه من الانزلاق إلى دائرة الحسد.

وأشار إلى أن المنافسة هنا التنافس المحمود الذي يكون في رضا الله (سبحانه وتعالى)، والشريعة الشريعة جعلت ضوابط للمنافسة.

وذكر رئيس رابطة علماء فلسطين في رفح أن الضوابط: أن يكون التنافس محمودًا، وهو الذي يكون في رضا الله بفعل الطاعات، والبعد عن الذنوب والمعاصي.

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم)، فَقَالُوا: "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ[1] مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ"، قَالَ: "أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بأمر إِنْ أَخَذْتُمْ به أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ"، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: "نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ"، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ)".

ولفت حسان إلى أن الرسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعا إلى المسابقة والمسارعة والتنافس في الصلاة؛ فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لَوْ يعْلمُ النَّاسُ مَا في النِّداءِ والصَّفِّ الأَولِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يسْتَهِموا علَيهِ لاسْتهموا علَيْهِ، ولوْ يعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِير لاسْتبَقوا إَليْهِ، ولَوْ يعْلَمُون مَا فِي العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتوهمُا ولَوْ حبوًا".

وبين أن من التنافس المحمود التنافس في فعل الخيرات، كالصدقة، والإصلاح بين الناس.

المذموم

أما التنافس المذموم فأوضح حسان أنه هو الذي يورث الحسد، لذا نهت الشريعة عن فعله أو الاقتراب منه، أما الغبطة أن يتمنى الإنسان مثل ما عند الآخرين، وأن يصل إلى درجتهم.

وبين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حذر المسلمين عندما فتحت بلاد الفرس والروم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا".

وأوضح حسان أن المقصود في الحديث السابق التنافس المذموم، وهو غير المنضبط بضوابط الشريعة، الذي يكون بكثرة الاستغفار والصلاة وفعل الطاعات.

تنمية القدرات

ولفت إلى أن التنافس إذا وصل إلى درجة التحسس والتجسس والقطيعة فيما بين الناس فهو يصبح مذمومًا، وحذر النبي الكريم من هذا المنزلق الآخر، فعن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) خرج يومًا فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر فقال: "إني فرطكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت خزائن مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف بعدي أن تشركوا، ولكن أخاف أن تنافسوا فيها".

وأشار حسان إلى أن المراد في الحديث السابق الشخص الذي يلتهي بجمع المال فيكثر فيكون وبالًا عليه، ويلهيه عن الطاعات، ويعتقد أنه قد أوتي هذه النعم بجدارته وحوله وقوته.

وبين أن البديل عن التنافس الالتزام بشرع الله في كل أمر، لأنه خلق الناس متفاوتين في الأرزاق وفي كل شيء، أن ينافس لا مانع من ذلك، ولكن ألا يحسد الآخرين، ولا يعقل أن كل الطلبة والموظفين -مثلًا- يكونون متفوقين؛ فهم متفاوتون في القدرات.

وذكر حسان أن من فوائد المنافسة تنمية القدرات والمواهب، ومضاعفة الجهد والاجتهاد والمثابرة، ثم يتوج كل ذلك بالتوكل على الله.