لا تضيع إسرائيل فرصة إلا وتثبت فيها عنصريتها، وخطابها الاستعلائي، وتحميلها الشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلالها مسئولية هذا الاحتلال، ولا تغيب عن أذهاننا المقولة الشهيرة لرئيسة الحكومة الراحلة "غولدا مائير"، التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني، حين قالت: "لن أسامح الفلسطينيين لأنهم أجبروا جنودنا على قتلهم"!
آخر المؤشرات العنصرية على السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين ما وجهته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من تحذيرات قبل أيام إلى المستوى السياسي في تل أبيب بشأن تراجع وتدهور المنظومة الصحية في قطاع غزة!
لحظة من فضلك عزيزي القارئ، فالمخابرات الإسرائيلية ليست قلقة من انهيار الوضع الصحي في غزة المحاصرة، إشفاقا على مرضاها، أو حباً في سواد عيونهم، لكن هذا القلق يأتي بسبب لافت، وهو أنه يضع المزيد من الصعوبات على الجيش الإسرائيلي إن أراد أن يشن حربا على غزة!
من الواضح أننا أمام اعتبار غريب يقضي بأن القيادة السياسية الإسرائيلية يجب أن تضع في حسبانها أن قرار الحرب على غزة يجب أن يتزامن مع إصلاح الأعطاب القائمة في الجهاز الصحي الفلسطيني، وبالتالي فإن هذا الإنذار الأمني الإسرائيلي يمنحنا استنتاجات واضحة أن النسبة الأكبر من المستهدفين في هذه الحرب ستكون من المدنيين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، وهو ما تكرر في الحروب السابقة بين عامي 2008-2014، وبالتالي سيكون صعبا تقديم العلاج لهم وفق الظروف الطبيعية.
نحن أمام سلوك إسرائيلي يذكرنا بالجزار الذي يطلب من عماله أن يسنوا سكاكينهم جيدا كي يذبحوا بها فريستهم، "حتى لا تتألم" إن لم تكن السكين مسنونة بصورة جيدة! وكأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تطالب المستوى السياسي، إن أراد شن عدوان جديد على غزة، أن يجهز للمصابين والجرحى المزيد من الضمادات والإسعافات، ويورد إلى غزة المزيد من النعوش والتوابيت، كي لا تتناثر جثامين الشهداء داخل ثلاجات الموتى!
فضلا عن هذا الاعتبار اللافت، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تستخلص الدروس والعبر من الحروب السابقة، حين ازدحمت أسرة الجرحى بمئات المصابين، ولم يعد متسع في ثلاجات المشافي لوضع جثامين الشهداء، ما استجلب صدور دعوات دولية وأممية بوقف الحرب لأسباب إنسانية وصحية، وهو ما لا تريد إسرائيل أن تقع فيه مجددا، من خلال تأهيل المنظومة الصحية في غزة كي تكون لديها الجاهزية لمواجهة أي حرب إسرائيلية متوقعة.
رغم كل هذه الدعوات "الإنسانية" في ظاهرها، و"العنصرية" في باطنها، لكن لا يبدو أن إسرائيل بصدد تلبيتها، من خلال إنقاذ المنظومة الصحية المتآكلة في القطاع المحاصر، لأنها تطبق سياستها القديمة الجديدة ومفادها أن "غزة لا تحيا ولا تموت"..