نشر معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أواخر يناير نتائج استطلاعه السنوي، تحدث عن مجمل التهديدات والتحديات التي تواجه الدولة، فقد ذكر 40% من الإسرائيليين أن ما عدوها ديمقراطيتهم في خطر، و47% قالوا إن العالم كله ضدهم، و58% اعترفوا أنهم سيعيشون إلى الأبد على سيوفهم، معتمدين على القوة.
تتزامن هذه النتائج مع زيادة الكتابات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة حول مستقبل الدولة بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على إنشائها، وتزايد الشكوك المستقبلية حول مدى قدرتها على الصمود في هذه المنطقة المعادية لها، مع استبعاد أي خيار تسووي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
تزداد المخاوف الإسرائيلية مع عجز القيادة السياسية فيها عن الوصول لتسوية سياسية مع الفلسطينيين، ومصالحة حقيقية معهم، مستذكرين مقولة المؤرخ اليهودي الشهير "بنتسيون نتنياهو" والد رئيس الحكومة الحالي حين قال: "ما دام العرب الفلسطينيون يعدون يوم استقلالنا يوماً لنكبتهم، فلا مجال لحل هذا الصراع بيننا وبينهم"، ما يضع علامات استفهام كثيرة حول المستقبل المحيط بإسرائيل، والمآلات التي تنتظرها في هذه المنطقة إن تغيرت موازين القوى المادية، واختلفت التحالفات الإستراتيجية في الإقليم والعالم.
لا يبالغ كاتب السطور، من وحي متابعته اليومية لما تتحدث به النخب الإسرائيلية، بالإشارة لما يعتقده كثير من الإسرائيليين حول أن مستقبل إسرائيل ومكانها في المنطقة بات مهدداً الآن كما لم يكن لأجيال عدة، ويطرحون تساؤلات يغلب عليها اليأس والإحباط خشية أن يكون الأمر قد فات، خاصة أن الثقة بإمكانية بقاء إسرائيل ربما باتت ضعيفة جداً.
تحفل الكتابات الإسرائيلية بسيناريوهات تنتظر مستقبل الدولة، تستند في معظمها لما وضعته مراكز أبحاث إسرائيلية وغربية موالية لإسرائيل، مكلفة من حكوماتها وإداراتها السياسية، تنشغل في سرد مظاهر مستقبل إسرائيل الغامض في المنطقة العربية، من خلال تعرض الكتل السكانية اليهودية في أنحاء العالم لهجمات "كارثية" متواصلة، وتدهور مسألة الهوية اليهودية، وانخفاض أعداد الأطفال الحاصلين على تعليم ديني يهودي، وتعاظم التعاون المتوقع بين الدول الإسلامية المعادية التي تمتلك قدرات تكنولوجية، ما سيؤدي لامتلاك 3 منها على الأقل قنابل نووية، وتراجع تأثير الطوائف اليهودية على مستوى العالم.
لا يسمح المجال باستعراض جميع الظواهر التي تشكل قلقاً، وتعد شواهد كافية للخوف على مستقبل إسرائيل، لكن تحولها إلى دولة "خاوية" نتيجة تزايد معدلات الهجرة العكسية، وهروب العقول البشرية الجيدة منها، سيؤدي لتراجع مستواها العلمي والتكنولوجي، بجانب تزايد قضايا الفساد، وقلة الخبرة في القيادات اليهودية الحاكمة، بعد أزمة يعاني منها النظام السياسي الإسرائيلي منذ سنوات تعرف بـ"غياب جيل التأسيس".