فلسطين أون لاين

التعليم في فلسطين.. إنجازات رغم الاحتلال

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

رغم معاناة النظام التعليمي الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة في رام الله على قطاع غزة، فإنه يحقق إنجازات متتالية على المستوى الإقليمي والعالمي.

ففي القدس العاصمة المحتلة، يعاني التعليم الفلسطيني من ضربات متتالية تحاول طمس أي معالم له نهائيًّا وبخطوات متسارعة على سبيل تهويد المدينة المقدسة، فيما تعاني الضفة الغربية من مشكلات تتمثل في عرقلة الاحتلال حركة الطلاب والمدرسين وإغلاق المدارس.

وتجفف السلطة في رام الله، كل منابع الدعم المالي لوزارة التربية والتعليم في غزة، ما يضعها أمام مشكلات مادية جمة، بحسب مراقبين.

الباحث المقدسي ناصر الهدمي يقول: "قطاع التعليم من أهم القطاعات التي تحافظ على مستقبل أي بلد أو مدينة خاصة القدس، وأي أمة تعمل على تطوير التعليملغرس الهوية الوطنية لشعبها، وتطويره وإيصاله للمستوى العلمي والقيمي المطلوب".

ويضيف الهدمي لصحيفة "فلسطين": "فما بالك بمدينة مثل القدس المُحاربة من قِبل الاحتلال الذي لا يريد للمقدسيين أي مستقبل، ولا يريد أن يحافظوا على هويتهم المقدسية وانتمائهم وجذورهم العربية والإسلامية؟! فالاحتلال بالطبع يستهدف التعليم بشكل واضح وقوي بالمدينة لأن المقدسيين سيواجهون به مخططات تهويد الهوية والثقافة والتربية".

ومن أهم أساليب الاحتلال –وفق الهدمي- في محاولته السيطرة على التعليم بالقدس، سعيه لفرض منهاج الاحتلال الإسرائيلي على المدارس فيها عبر عمله على ابتزازها لتكون أداة طيعة في يده وليس في يد الشعب الفلسطيني على طريق تحرير أرضه وكيانه.

وينبه إلى منهاج الاحتلال يحارب الهوية الوطنية الفلسطينية، ويزعم أن القدس المحتلة "عاصمته" وأن المسجد الأقصى ما يسميه "جبل الهيكل" المزعوم، ويصور أن الفلسطينيين "مجرد أقلية" في فلسطين.

ويشير إلى أن القدس شوكة في حلق الاحتلال، وأكبر دليل على عدم تمكنه من إنهاء الصراع بينه وبين الشعب الفلسطيني هو أنه رغم ادعائه بأنها عاصمته المزعومة، لا يتمتع فيها بحرية وأمن وأمان وإنْ أراد مستوطنوه أن يتجولوا فيها يجيش شرطته لحمايتهم.

استهداف "اللاجئين"

وحول استهداف الاحتلال لمدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في القدس، يقول الهدمي: "إن الاحتلال يرمي إلى استهداف حقيقة أن القدس عربية محتلة بقوة السلاح، وأيضًا استهداف وظيفة أونروا التي تحافظ على اللاجئين الفلسطينيين لصون رمزية حق العودة".

وكشفت وسائل إعلام عبرية في 19 من الشهر الجاري، عن فحوى قرار إسرائيلي يقضي بإنهاء "أونروا" شرقي القدس المحتلة.

ويشير الهدمي إلى أن في القدس المحتلة، مدارس تابعة لبلدية الاحتلال وثانية لما تسمى "وزارة المعارف" الاحتلالية، ومدارس خاصة تابعة للسلطة في رام الله وأخرى خاصة مملوكة لعائلات مقدسية، أما الأخيرة فهي تتبع "أونروا".

ويفيد الباحث المقدسي بأن المدارس التابعة للاحتلال يسيطر عليها الأخير بشكل كامل، ويقر مناهجها وقانونها فيما تخضع المدارس الخاصة التي تدرس المنهاج الفلسطيني للابتزاز بتهديدها بقطع الدعم عنها.

ويعرب عن أسفه على أن عدم وضع السلطة في رام الله، القدس المحتلة ولا حتى المسجد الأقصى ضمن أولوياتها، قائلًا: إنها خذلت المدينة.

ويقول: نحن كشخصيات مقدسية، طلبنا مرارًا من وزير شؤون القدس في حكومة رامي الحمد الله، عدنان الحسيني دعم مدارس القدس لكونها من أهم مقومات البناء الوطني لكنه "تلقى ردًا سلبيًا" من السلطة بهذا الخصوص.

ويتابع: "بررت السلطة موقفها بكونها تأخذ أموالها وميزانيتها التشغيلية من الاحتلال، ولا تريد أنْ تأخذ أي خطوة تعرقل ذلك"، مردفًا: "مَنْ يريد هوية وطنية لا يبحث عن الأموال فالانصياع لمقدم الدعم مدخل لتدمير تلك الهوية، فالسلطة غير معنية بدعم مدارس القدس بل هي إنْ كانت حقًّا وطنية عليها أن تدعم المدارس بدلًا من دعم أجهزة الأمن (في الضفة الغربية) التي تحارب شعبها الفلسطيني".

"مؤثرات سياسية"

بدوره يؤكد الخبير التربوي من الضفة الغربية د. إياد جبور، أن الاحتلال الإسرائيلي يعرقل العملية التعليمية بالضفة إثر استمرار اقتحاماته اليومية للمدن والقرى فيها، ولكون الطلبة والمدرسين عرضة للاعتقال أو الشهادة، بجانب حواجز الاحتلال التي تعرقل تنقل الطلبة ووجود بعض المناطق المحرومة من وجود المدارس ويستعيض أهلها عنها بمدارس تجميعية يبنونها من ألواح الصفيح أو ما شابه، وفقًا لجبور.

لكن جبور رئيس قسم التربية الدينية في مركز المناهج الفلسطيني سابقًا، يؤكد أن جرائم الاحتلال فشلت، وأدت لنتائج معاكسة، إذ عززت روح التحدي والتصميم لدى الطلبة والمدرسين لإكمال المسيرة التعليمية.

ويتحدث جبور لصحيفة "فلسطين"، عن أن التعليم في الضفة يواجه معوقات في أكثر من جانب أهمها "مؤثرات سياسية" على المناهج الفلسطينية.

ويضيف: "وإنْ لم يكن هناك رقابة ظاهرة عليها، إلا أن مؤثرات الوضع السياسي بشكل عام كالاحتلال والعولمة والتأثيرات الدولية في ظل وجود حركة شاملة لتغيير المناهج في العالم العربي والإسلامي بأسره، جعلت مَنْ يضع المناهج الفلسطينية مقيدًا نفسيًا خشيةً من أي عبارة قد تحمل اصطدامًا بالواقع المحلي أو الدولي".

ويلفت إلى "معوقات داخلية" تتمثل في أن وزارة التربية والتعليم في رام الله، لم تؤهل المعلمين بشكل كافٍ للتعامل مع إستراتيجيات التعليم الجديدة المعتمدة رسميا والقائمة على التعليم الإلكتروني، فلم يكنْ الإعداد على المستوى الكافي فتطوير المناهج لم يواكبه حركة مماثلة تجاه المعلمين بشكل كافٍ.

وبرغم كل تلك المعوقات -وفق جبور- فإن التعليم في فلسطين يحقق إنجازات نوعية وإبداعات داخل وخارج الوطن مدعاة للفخر، وهناك من أبناء الجامعات نماذج مبدعة تثبت أنفسها بالخارج.

لكنه ينبه إلى أن "ضعف التواصل" بين الضفة الغربية وقطاع غزة "له أثر سلبي عميق على التعليم".

غياب الموازنات

من جانبه يبين مدير عام الإشراف التربوي بوزارة التربية والتعليم بغزة د. محمود مطر، أن الوزارة في رام الله لا تحول فلسًا واحدًا من الموازنات التشغيلية لنظيرتها في غزة فهي "مجمدة بالكامل" ، وما يُحول لغزة هو جزء يسير من حصتها من المشاريع كبناء المدارس تحت ضغطٍ من الجهات المانحة.

ويقول مطر لصحيفة "فلسطين": "إن ذلك يجعل غزة محرومة ماديًا وتعاني معوقات كبيرة، وغير قادرة على استيعاب معلمين جدد بالشكل المطلوب، فالوزارة في القطاع منذ فترة لا تستطيع تعيين موظفين بشكل حقيقي وتعتمد على المدرسين بنظام العقود حتى أن مَنْ تم تثبيتهم من موظفي العقود 2017 لا يشكلون سوى جزء يسير من احتياجات الوزارة البشرية".

ويضيف: "في ظل النمو في عدد المدارس والشعب الدراسية نحتاج لتوظيف مدرسين جدد فكل شعبة دراسية تحتاج لـ1.7 معلم، ما يضطرنا للاعتماد على المدرسين على نظام البطالة الذين يعملون لمدة فصل دراسي واحد "مدة البطالة"، ما يؤثر سلبًا على جودة العملية التعليمية خاصة لدى طلاب الصفيْن الأول والثاني الابتدائييْن".

ويتابع مطر: "المعلمون الموجودون بالكاد يغطون الصفوف التعليمية حتى أننا نواجه صعوبة في توفير بدلاء لهم في حال حدوث طارئ عند أحدهم".

ويردف: "في ظل المناهج الجديدة فإننا غير قادرين على إخضاع المدرسين لبرامج تدريبية حقيقية لعدم وجود تمويل لتلك البرامج أو موازنة لها، واضطرارنا لاستبدالها بورش عمل لا تفي بالغرض، ما يؤثر سلبًا على جودة التعليم".

ويقول المسؤول في "التعليم" بغزة: إن النظام التعليمي الجديد "التقييم الواقعي" يصطدم بضعف البنية المدرسية، في ظل عدم وجود مختبرات الحاسوب والأدوات التعليمية اللازمة، ما يجعل من الصعوبة بمكان تنفيذ أنشطة المناهج وإجراء التجارب العلمية.

ويلفت إلى أن الكثافة العالية جدًا داخل المدارس والغرف الصفية تؤثر سلبًا على كفاءة وتطوير العملية التعليمية، "واضطررنا للعمل بنظام الفترتيْن في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية".

وينبه مطر إلى معاناة الوزارة في غزة، من قضية الأثاث المدرسي حيث يدرس في مدارسها حوالي 290 ألف طالب، ما يجعلها بحاجة لأثاث بشكل يومي وهو ما يصعب توفيره حتى أن مراكز الصيانة أصبحت تصلح ما لا يمكن إصلاحه لإعادة استخدامه.

ويختم قائلًا: "برغم كل تلك الصعوبات فإننا نسعى لأن نحافظ على التوافق في البرامج التعليمية بين الضفة وغزة مهما كان ذلك صعبًا".

وتفرض السلطة منذ مارس/آذار 2017 إجراءات عقابية وصفها رئيسها محمود عباس بأنها "غير مسبوقة" على قطاع غزة، شملت الخصم من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة الغربية، وتأخير صرفها، كما مست مجالات حيوية كالصحة والكهرباء والوقود، وغيرها.

وتحرم السلطة في رام الله قطاع غزة منذ 12 سنة من الوظائف في القطاع العام، وتستهدف الموظفين بالفصل التعسفي والحرمان من العلاوات، كما أنها ترفض صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة إسماعيل هنية في قطاع غزة.