لم يعد أحدنا بحاجة لقراءة الكف وإتقان فن التنبؤات للخروج بقناعة سياسية مفادها أن الوضع الإنساني والأمني في قطاع غزة بات جزءا من الدعاية الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية، الأمر الذي وجد طريقه أخيرا في فرض شروط جديدة على تمرير الدفعة الثالثة من المنحة المالية القطرية إلى القطاع.
تدرك قطاعات واسعة من المؤسستين الأمنية والسياسية الإسرائيلية أن عدم إدخال المنحة القطرية لغزة سيعمل على مزيد من التصعيد الأمني فيها، مما يتطلب من إسرائيل أن تعمل وفق مصالحها بعدم حصول هذه المواجهة، ولذلك يجب العمل بعيدا عن الاستقطاب الحزبي والتجاذب الانتخابي، لا سيما وأن إسرائيل، كما الفلسطينيين، ليس لديهم المزيد من الخيارات للوضع المتفجر في غزة، خاصة أمام حافة الكارثة الإنسانية المتحققة.
ما قد يعترض تطبيق هذه القناعات "الواقعية" على الأرض خروج مواقف ملؤها المزاودات الحزبية الانتخابية، مما يجعل الطرفين في قراءتهما للاحتمالات الأقل تفاؤلا أمام جولة تصعيد جديدة، أو على الأقل رفع وتيرة المسيرات الأسبوعية كل يوم جمعة، بما يشملها من تنفيذ عمليات مسلحة أو إطلاق صاروخ كورنيت، أو نيران قناص باتجاه الجيش الإسرائيلي.
الغريب أن الإسرائيليين في معظمهم يعلمون أن إعاقة إسرائيل لإدخال الأموال القطرية لغزة جزء من الدعاية الانتخابية، مع أن استمرار ضخها يشتري المزيد من الهدوء في القطاع الذي يعيش توترا مستمرا.
ليس سراً أن غزة وإسرائيل أمامهما مصلحة مزدوجة؛ تتمثل باستقرار الهدوء الأمني، رغم أن الأموال القطرية لم تحدث تحسنا جوهريا على الأوضاع المعيشية في غزة، ولو بالحد الأدنى، وهي ربما تمنح عشرات الآلاف من الموظفين بعض الأمان الوظيفي النسبي، لكن غالبية السكان في القطاع لم تشعر بتغير إيجابي من هذه المنحة، ومع ذلك فإن الفلسطينيين ينظرون إليها انطلاقا من القاعدة القائلة: "ما لا يدرك كله، لا يترك جله".
في الوقت ذاته، فإن التحول المركزي في التوتر الناشب في غزة يعود إلى رغبة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتحدي الفلسطينيين، وإظهار نفسه أما ناخبيه أنه البطل القومي الذي يمنع حماس من فرض مطالبها المتعلقة بالمنحة القطرية، وهو ما يطرح السؤال: هل سيؤدي هذا التوتر إلى منح نتنياهو أصواتا إضافية بين الناخبين الإسرائيليين، أم إسقاطه في الانتخابات؟
هذا يعني أننا أمام حالة من شد الحبل بين الجانبين، وقد يبدوان معنيين بمستوى محدود من المواجهة العسكرية، رغم أن إسرائيل تخوض موسما انتخابيا حاسما، مما يجعلها حريصة على توفير الهدوء الكامل كشرط لتمرير المنحة القطرية، لكن حماس قد لا يكون لديها ذات الحرص على توفير هذه البضاعة لإسرائيل.