تحدثت أنباء الأيام الأخيرة أن السلطة الفلسطينية وجّهت رسالة للإدارة الأمريكية، بأنها لا تريد المساعدات التي تقدمها لها في مجال الأمن، مما يطرح أسئلة حول مدى جدية السلطة بهذا الرفض رغم اعتمادها الكلي على المساعدات المالية المقدمة للقطاع الأمني بالذات.
صحيح أن القطيعة السياسية بين رام الله وواشنطن ما زالت قائمة منذ ديسمبر 2017، ولم تحصل اتصالات بينهما، لكن هذه القطيعة لم تمنع حصول اجتماعات دورية بين أجهزة أمن الجانبين، علنية وسرية، لعل أشهرها لقاء شهر مايو في واشنطن، وجمع رئيس المخابرات الفلسطينيّة ماجد فرج بنظيره الأميركيّ مايك بومبيو، قبل انتقاله لوزارة الخارجيّة، حيث يرتبطان بعلاقة وثيقة، وقد دأبا في لقاءاتهما على مناقشة قضايا أمنيّة إقليميّة، لها تأثيرات على المنطقة، ما يعني أنّ الاتّصالات الأمنيّة الثنائية مستمرّة دون انقطاع.
قد لا يختلف اثنان أن المخابرات الأميركيّة لديها شبكة علاقات وثيقة مع نظيرتها الفلسطينيّة، وحين سيطرت حماس على غزّة أواسط عام 2007، ووضعت يدها على الأرشيف الأمنيّ للسلطة الفلسطينية، كشفت وثائق لتعاونها الأمنيّ مع الــ"سي آي إيه"، مما يشير لعمق علاقتهما، فالعناصر الأمنيّة الفلسطينيّة تتدرّب في الولايات المتّحدة، والضبّاط الأميركيّون يشرفون على الأمن الفلسطينيّ بالضفّة الغربيّة، والمخابرات الفلسطينيّة لها ملحقون أمنيّون في معظم السفارات الفلسطينيّة الـ90 حول العالم.
أكثر من ذلك، فإن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تساعد الأمن الأميركيّ بملاحقة المجموعات المسلّحة في العالم، بتوفير بنك معلومات أمنيّة، بسبب حيازتها لأفراد ومخبرين يتواجدون في المناطق التي تنتشر فيها هذه الجماعات المسلحة.
يتداول الفلسطينيّون في غزة والضفة معلومات متفرّقة أنّ الأمن الفلسطيني يؤدّي كثيرا من الأدوار بتنسيق مع المخابرات الأميركيّة، أو توجيه منها، في البلدان التي تشهد تواجداً فلسطينيّاً، ويتحرّك فيها الفلسطينيّون بسهولة، لا سيّما التي تشهد بؤر توتّر أمنيّ، وتشكّل إزعاجاً للولايات المتّحدة الأميركيّة وإسرائيل.
الأوساط الأمنية الفلسطينية والأمريكية ترى أن اجتماعاتهما المشتركة تركز على التنسيق الثنائيّ لملاحقة الجماعات المسلّحة في الشرق الأوسط، ويا لمفارقات الأقدار حين نعلم أن الأميركيّين مدينون لنظرائهم الفلسطينيين بالشكر لجهودهم الأمنيّة، في حين الأجهزة الأمنية الفلسطينية مدينة لنظيرتها الأمريكية بالتدريب والمال.
لسنا بحاجة لكثير من التأكد من مدى جدية السلطة في رفضها للمساعدات الأمريكية، أو أن تكون جزءا من ابتزاز الإدارة الأمريكية، لأن الاستقرار الأمني في الضفة الغربية مصلحة أمريكية وإسرائيلية، فضلا عن قيام الأمن الفلسطيني بمساعدات نوعية للمخابرات الأمريكية، مما قد يجعل هذا الرفض "فشة خلق" أكثر من كونه قرارا جادا.