فلسطين أون لاين

"النفاق الاجتماعي" حينما يكون سلاحك لتحقيق غاياتك

...
عبد الله التركماني

"التملق" الذي يعرف اصطلاحًا بـ"النفاق الاجتماعي" هو السلاح الأساسي لدى أولئك الذين لا يستطيعون تحقيق أحلامهم والوصول إلى رغباتهم باستخدام قدراتهم وماهراتهم وإبداعاتهم، ففي حياتنا المهنية والأسرية والاجتماعية يلجأ المتملق إلى عذب الكلام بما لا يضمره القلب، للظهور أمام المجتمع على هيئة تخالف أصله وحقيقته، لتحقيق غاياته ومصالحه.

والنفاق في أوضح أشكاله هو أن تظهر عكس ما تخفي في قلبك، وأن تمتلك وجهين تبدلهما حسب المواقف والأشخاص، حتى تصبح العلاقات متلونة وضبابية دون مبادئ تحكمها.

ولعل من أعظم صور النفاق الاجتماعي أن تعطي الفقراء بقايا ملابسك وطعامك، وتشتري للأغنياء هدايا فاخرة ليسوا بحاجة لها، أو كما يقول الصحفي الفلسطيني معتصم زقوت: "إن النفاق الاجتماعي هو دفع 100 دولار عشاءً في مطعم راقٍ، ثم مناكفة سائق التاكسي على شيكل".

على المستوى السياسي لطالما كان النفاق أحد أهم عوامل الهدم للدولة، لأن النفاق يدب في جسد الأمة كما يدب السرطان في جسد الناس، ولا يشعرون به إلا وهم جثة هامدة، وهذا ما يحدث واقعًا عندما يبتسم المراقب في وجه المفسد، وتسود بينهما المحاباة والود المبني على المصالح.

وسأل إعرابي رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "متى الساعة؟"، فقال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة"، فقال الإعرابي: "وكيف إضاعتها؟"، فقال (صلى الله عليه وسلم): "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

في المقابل ليس هناك أسوأ حظًّا من العاملين الجادين الذين لا يجيدون العزف على وتر النفاق، ولا يحسنون الضرب على أعواد المداهنة، حتى باتوا لا نصيب لهم من الامتيازات والمنح والمناصب، في تجسيد واضح على تقدم "المداهنة" على "المؤهلات".

الخبرات في ذيل القائمة

قالت هند إسماعيل (31 عامًا، وهي موظفة في شركة حسابات خاصة) لصحيفة "فلسطين": "إن الذين يتبعون النفاق الاجتماعي خلال العمل تغلبوا على أصحاب الكفاءات، حتى بات معظم من يتولى المناصب من المتملقين، وبات أصحاب المهارات والقدرات في ذيل القائمة".

وأضافت: "هناك من يجامل، وهذا ما نعده إطراء يعكس حسن خلق الشخص وتهذيبه، ويصب في مصلحة العلاقات الاجتماعية والأسرية والمهنية، في حين هناك من ينقل المجاملة إلى مربع المبالغة في الإطراء والنفاق والمدح من أجل المصالح، حيث يصبح المادح ذليلًا والممدوح فرعون".

ورأت إسماعيل أن النفاق الاجتماعي في العمل أحد أهم عوامل فشل الأعمال في تحقيق أهدافها وخسارتها، وقالت: "أعتقد أن إهداء إلى الناس عيوبهم خير ألف مرة من تجميلها في نظرهم".

ويرى خير الدين العشي -وهو طالب جامعي- أن النفاق الاجتماعي يعني التصنع في العلاقات مع الآخرين، ويقصد به تصنع الضحك والسعادة والثناء والمدح.

وقال العشي لصحيفة "فلسطين": "معظم النساء التصنع إحدى أبرز صفاتهن، حين يتصنعن الضحكة البريئة والابتسامة الظريفة والصوت الخافت، من أجل منح الآخرين انطباعًا جيدًا عنهم، في حين في داخلهن يسكن وحش كاسر".

وأضاف: "كذلك التصنع يسود في أوساط الرجال أيضًا، عندما يمتهنون الكذب والنفاق في العلاقات الاجتماعية، فيدعي أحدهم أنه يعمل في مكان أو منصب مرموق كذبًا، أو عندما يقومون بحركات معينة مثل: الوقوف أو الجلوس أو إشعال السيجارة على طريقة أبطال الأفلام من أجل لفت انتباه الآخرين".

النفاق نظامًا اجتماعيًّا

ويرى أستاذ علم النفس الاجتماعي د. درداح الشاعر أن النفاق الاجتماعي أصبح نظامًا اجتماعيًّا متعارفًا عند غالب الناس، وقال لصحيفة "فلسطين": "أصبح النفاق سمة العلاقات الاجتماعية، وبات الناس ينافق بعضهم بعضًا، وهم يدركون أن ذلك نفاق، ويتعايشون معه، بسبب اتحاد المصالح، واشتراك الغايات".

وبين أن النفاق أصبح سمة بارزة في كل المجالات، وظاهرة بارزة في المجتمع الفلسطيني، وفي المجتمعات العربية أيضًا، ويأخذ أشكالًا عديدة، فمنه النفاق السياسي والاجتماعي والعائلي والوظيفي.

وذكر الشاعر أن أبرز الأسباب التي تدفع إلى اتباع النفاق الاجتماعي هي: عدم القدرة على تحقيق الغايات والوصول إليها بالمهارات الشخصية، أو الخوف من الأشخاص الذين يتولون مراكز اجتماعية أكبر، أو لفت انتباه الآخرين.

ولفت النظر إلى أن للنفاق الاجتماعي تأثيرًا خطيرًا على الأسرة والمجتمع والعلاقات الاجتماعية، وقال: "عندما يصبح النفاق سمة شائعة في المجتمع يختل معيار التوازن المجتمعي والشعور بالانتماء، ويصبح الامتياز ليس للقوي الأمين، إنما لصاحب الكلام المعسول والمتملق".

وبيّن الشاعر أن بين المجاملة في المعاملات والنفاق الاجتماعي فرقًا واضحًا، موضحًا أن المجاملة تعبر عن حسن خلق المرء، وتأتي بهدف الحفاظ على علاقات وطيدة، وهي تأخذ أشكالًا مختلفة، ومنها المجاملة اللفظية والمجاملة المادية.

وتابع أستاذ علم النفس الاجتماعي: "أما النفاق فهو أسلوب انتهازي رخيص قائم على المبالغة في المدح والثناء، بغرض تحقيق المصالح والأهداف، وهو أمر منبوذ مطلقًا".