فلسطين أون لاين

بفعل الاحتلال.. بحر غزة مقبرة للصيادين

...
صياديون يبحرون في شاطئ غزة" ارشيف"
زكريا بكر

ألحقت اتفاقية أوسلو 1993 وملحقها البحري ظلماً وإجحافاً بالغًا بحق الصيادين الفلسطينيين بقطاع غزة، شرعنت فيها إجراءات الاحتلال الحربية بما تحمل بين طياتها من نصوص واضحة تُمكّن الاحتلال من بسط سطوته ونفوذه في البحر، واتخاذ إجراءات حربية بحق الصيادين المدنيين العزل، وملاحقتهم داخل البحر حتى في المناطق الخاضعةللسلطة حسب نصوص الاتفاقيات.

ولم تكتفِ السلطة بذلك بل عززتها بالتزامات "برتيني" عام 2002 والتي نصت على تقليص مساحة الصيد من 20 ميل بحري إلى 12 ميل بحري، وفي أعقاب فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات حربية من طرف واحد، فرضت خلالها حصاراً برياً وبحرياً خانقاً على سكان قطاع غزة، وتقليص مساحة الصيد منتصف عام 2006 إلى 6 أميال بحرية، وفي العام 2007 قلصتها مرة أخرى إلى 3 أميال، وفي أعقاب عدوان 2012 عاودت توسيعها مرة أخرى إلى 6 أميال بحرية بجهود مصرية في سياق تثبيت "تهدئة" مع الاحتلال.

ومنذ ذلك التاريخ أصبح الاحتلال يتلاعب بموضوع المساحات البحرية ويستخدمها كوسيلة للضغط على سكان قطاع غزة والابتزاز السياسي مترافقًا ذلك مع ترويج إعلامي للعالم، في ظل فرض سيطرة كاملة على بحر قطاع غزة وفرض الحصار البحري على سكانه، وارتكاب الجرائم بحق الصيادين في المناطق المسموح لهم الصيد بها، ولعل جريمة قتل الصياد نواف العطار على بـُعد أمتار معدودة من ساحل بيت لاهيا، لينضم إلى قائمة من إحدى عشرة صياداً استشهدوا منذ عام 2008، برصاص الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى ستمائة آخرين جرى اعتقالهم أثناء عملهم في نفس الفترة الزمنية الواردة، بحيث يتأكد من ذلك أن الاحتلال يمارس كل أشكال القرصنة البحرية.

شهد عام 2016 أخطر أساليب التحايل من قبل جيش الاحتلال في طريقة تعامله مع الصيادين، من خلال ما يُسمى توسيع مساحات الصيد من 6 إلى 9 ميل في المناطق الوسطى والجنوبية، وبمواسم الصيد فقط، حسب إدعاء الاحتلال، وبعمق أكثر في المساحات البحرية بشريط طوله 40 كيلو متر اقتطعت منه سلطات الاحتلال مناطق مقيد الوصول إليها بطول 4 كيلو من الشمال والجنوب، ليصبح طول ساحل قطاع غزة 36 كيلو متر، علماً أن قطاع الصيد يعمل به ما يقارب من 4000 صياد يمتلكون ما يقارب 1270 قارباً يحملون تصاريح، بالإضافة إلى 1500 إنسان يعملون بمهن مرتبطة بقطاع الصيد.

ويشير ذلك إلى أن سلطات الاحتلال أصبحت تحترف التلاعب بالمساحات البحرية، لتحقيق أهداف سياسية من خلال تقسيم البحر إلى 5 مناطق متباعدة ما بين 3 و6 و9. وأخيراً 12 ميلاً بحرياً في منطقة محدودة لا تتجاوز 6 كيلو متر من دير البلح حتى خان يونس.

ومن الجدير ذكره هنا، للوقوف على حجم معاناة الصيادين وأسرهم، فإن خسائر قطاع الصيد تصل سنوياً إلى 6 مليون دولار بشكل مباشر و 4 مليون دولار بشكلٍ غير مباشر لتوقف عجلة الإنتاج في هذا القطاع الحيوي لشريحة مهمة وكبيرة من أهالي قطاع غزة.

وتتمثل خطورة تلك الإجراءات بالتالي:

1 تقسيم البحر لعدة مناطق وإعطاء الصيادين مناطق فقيرة بالأسماك ومنع الصيادين من الوصول إلى المخزون الإستراتيجي والمناطق الطينية والصخرية وبذلك يصبح الحديث عن المساحات البحرية لا معنى ولا قيمة له في ظل تواصل الاعتداءات والجرائم الاسرائيلية بحق الصيادين ومنعهم من الوصول الآمن إلى أماكن الصيد واستمرار عمليات الملاحقة وإطلاق النار باتجاه الصيادين ومراكبهم على مدار أكثر من 12 عام فخلال عام 2018 وحده، تم رصد وتوثيق 290 عملية إطلاق نار باتجاه الصيادين، نتج عنها استشهاد صيادين وإصابة 28 صياداً آخراً، ومصادرة وتخريب 33 مركباً واعتقال 70 صياداً تم الإفراج عن 65 وبقى 5 صيادين رهن الاعتقال حتى الآن، بالإضافة لتخريب وسرقة المئات من شباك الصيادين، وما زال الاحتلال ناجحاً بتدمير الأمن الغذائي الفلسطيني، وسرقة الموارد الطبيعية من البحر (رصد وتوثيق لجان الصيادين).

2 زيادة الكمائن للصيادين داخل البحر، وعدم قدرة الصياد تحديد المنطقة الممنوعة من المسموحة.

3 الحياة البحرية حياة متحركة بعوامل طبيعية مثل الرياح والتيارات المائية فيصبح الصياد الذي كان في المنطقة المسموحة بعد فتره وجيزة في المنطقة الممنوعة.

4 استخدام القوة المميتة بحق الصيادين بحجة تجاوز المنطقة المسموحة.

5 ضمان السيطرة الأمنية لسلطات الاحتلال، واستخدام كافة أنواع الأسلحة باتجاه الصيادين.

وبذلك وقع الصياد الفلسطيني بين فكي كماشة مساحة الصيد التي تتغير حسب مزاج الاحتلال في سياسات الحصار والابتزاز المتبعة من جهة، والعدوان المتواصل على الصيادين في عرض البحر من جهة ثانية، والذي أدى إلى استشهاد وإصابة واعتقال العشرات خلال السنوات الأخيرة. ما يستدعي تسليط الضوء على هذه القضية الهامة، المتمثلة في معاناة الصيادين، باعتبارها من القضايا الرئيسية التي يجب أن تطرح على الأجندة السياسية وعدم المساومة عليها أو إخضاعها لحسابات هنا أو هناك، مستندين إلى صمود الصياد، والمواثيق والأعراف الدولية التي تؤكد على حقنا في بحرنا، وحق الصياد في ممارسة عمله دون أي ملاحقة أو مطاردة، وهذا يلقي بمزيدٍ من المسؤولية على المؤسسات المدافعة عن حقوق الصيادين وخاصة، المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية، ومنها بالذات: الميزان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والضمير، ومكتب المفوض السامى لحقوق الإنسان. كما المؤسسات الداعمة لقطاع الصيد وتعزيز صمود العاملين فيه، وبالأخص: اتحاد لجان العمل الزراعى، والمساعدات الشعبيه النرويجية.