فلسطين أون لاين

​إلى الأم: ابني جيشك

الأم هي اليد الفاعلة في تشييد المنظومة الأسرية جنبًا إلى جنب الأب، فدورها يتسم بهندسة هذه المنظومة، وربط أجزائها برباط متين؛ ليتكامل الشكل الهندسي بنسق قويم متين.

على الأم مهام توكل إليها، من أهمها: رعاية زوجها وأبنائها، الأمر ليس بالبسيط ولا الهين، فرعاية الزوج تكون بالتوازي مع رعاية الأولاد والقيام بمسؤوليات البيت كافة، فعلى الأم أن تعي أن الغرس الذي تغرسه ستجني ثماره، يجب أن يكون تعاملها مبنيًّا على الحب الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، تنتبه لأبنائها الصغار والكبار، تتابع سلوكياتهم، توجههم، تحاسبهم على الخطأ بطرق العقاب المناسبة في الوقت المناسب، تردم الهوة بينها وبين أبنائها، فتعاملهم كصديقة، تتقرب إليهم، تداعبهم، تشاركهم في بعض اهتماماتهم، تسألهم عن دراستهم وعن أصدقائهم، تشعرهم بحضورها طيلة الوقت، حتى لو كانت غائبة في عمل داخل البيت أو خارجه، أو في غياب عن البيت لأمر ما، فتتصل بهم، ترسل إليهم، تتفقد حالهم.

طريقة حديث الأم مع أبنائها مهمة جدًّا، على لغة الحب أن تغلب كل اللغات، على الأم أن تشعر أبناءها بأهميتهم، فتحافظ على مبنى شخصيتهم منذ الصغر، تشركهم في صنع القرار بتعويدهم تحمل المسؤولية.

من أعظم الأخطاء التي تقع فيها الأم عن غير قصد متابعتها دراسة الأبناء بحذافيرها، فهي التي تتفقد الواجب، وهي التي تجلس قرب ابنها حتى ينتهي من الكتابة، ثم هي التي تناديه ليدرس للاختبارات، بالأحرى هي التي تدرسه كل حرف، وهذا خطأ؛ لأنه في مراحل أولى كالصف الأول أو الثاني يبدو مقبولًا، لكن بعد ذلك يبدأ سلم السلبية في التطاول، فالطفل حتى في الصف الأول الابتدائي يحتاج إلى سند، ولكن علينا ألا ننسى إعطاءه قدرًا من الثقة والمسؤولية، فمثلًا: قولي له: "اكتب على السطر"، وانتبهي لطريقة كتابة الحرف، ثم راقبيه حتى يجيد بعض النماذج، ثم اتركيه لينهي وحده، ويأتي فقط ليطلعك على ما فعل، علميه أن يتفقد كتبه وواجبه وحده، أن يبدأ الكتابة، وليس بالضرورة أن تجلسي قربه، علميه أن يقرأ ويستذكر دروسه، اشرحي له كيف يستذكر، ثم اتركيه يفعل هذا، وأعلميه أنك معه في كل ما يصعب عليه، فكل استفسار ستجيبين عنه، وستساعدينه باختبار ما قرأ، أما أن يعتمد عليك في كل صغيرة وكبيرة فأنت بذلك تدمرينه، فلا يستطيع الحركة إلا بك ومن خلالك.

يحتاج الأبناء إلى الدعم المعنوي وكلمات الإطراء منك، عليك -أيتها الأم- أن تنتبهي في معاملتك لأبنائك، فلا تفرقي بينهم في المعاملة، حتى لا تزرعي في قلوب بعضهم شيئًا على بعض، صغارًا أو كبارًا، فحتى الكبار منهم يتأثرون بذلك، ولو كانوا رجالًا أو نساءً.

أيتها الأم، كوني أكثر قربًا لأبنائك، خاصة في مرحلة المراهقة والشباب، عامليهم كأخت، لا بأس أن تلعبي معهم، وتضاحكيهم، شاركيهم في أنشطتهم، ذلك ليتخلصوا من الصورة السلطوية عنك، ويشعروا بقربك منهم، بفهمك لهم، وفهمك متطلبات مرحلتهم العمرية.

ازرعي فيهم الاعتداد بالنفس، أعلميهم أنهم قادرون على أن يكونوا علامات بارزة في المجتمع، شيدي ثقتهم بأنفسهم، ولا تنزعيها بنعتهم بالفشل طيلة الوقت.

ابحثي فيهم عن مواطن إبداعهم وقويها واصقليها، وإياك أن تقارني واحدًا بآخر منهم، فكلٌّ له طاقة وقدرة ذهنية، والفروق الفردية موجودة.

ازرعي الحب بينهم، أبعدي عنهم سمة الأنانية، حببي إليهم مساعدتك في البيت، ارسمي لهم ملامح العلاقة التي تريدينها لهم بأبيهم، ازرعي ما استطعت من الخير والحب والقوة فيهم، علميهم كيف يخططون لحياتهم، وكيف ينظمونها، وكيف يحددون أهدافهم، وكيف يدافعون عن طموحهم، علميهم كل شيء بالإقناع لا الرهبة والعنف أو الحرمان، فالذي ينصاع لأمرك بالعنف أو الإكراه سيفلت من ذمة سيطرتك في أول فرصة، ازرعي فيهم الإيجابية تجاه البيت، وفيما بينهم، وتجاه المجتمع، اغرسي فيهم القيم التي تبني الرجال والنساء، ولا تتركيهم يعانون الهشاشة والضعف؛ فهم جيشك الذي يسندك، والذي تحاربين من أجله في هذا العالم، والذي سيحارب من أجلك بعد ذلك.

مع كل هذا عليك ألا تغفلي عن سيد البيت وحارسه، فتناقشي أنت وهو سبل رعاية الجيش وطرق حمايته، وإن كان الدور سلبيًّا فلا تستسلمي، اعملي باتجاهين: تجاه الزوج، وتجاه الأبناء، لا تقبلي إلا دولة تليق بك، هي من صنع يديك، هي إمبراطورتيك التي تفخرين أنها أقيمت بغزل يديك، ورقابة قلبك وعينيك.

ببساطة: علميهم كيف يعرفون ربهم؛ كي يعرفوا أمهم وأباهم.بي