ظروف القضية الفلسطينية في هذه المرحلة صعبة، وهي انعكاس لرؤية تعبر عن توجه سياسي وإستراتيجي معاكس لقضية فلسطين وإمكانية تحريرها.
هذا التغيير السلبي الذي لا يعبر عن حصاد تراكم ثوري في ظل غياب رؤية ومايسترو يحكم الثورة وتطورها التي تحركت منذ النكبة وحتى مطلع الألفية العشرين، حيث احتُضنت في بيئة عربية مساندة في عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات سياسياً ومالياً وعسكرياً في مواجهة دولة الاحتلال التي قامت بقوة السلاح والقبول الدولي، ومن ثم الدعم والرعاية الأمريكيين.
إن حكاية الثورة الفلسطينية الحديثة وصيرورتها لا تعكس تراكماً في البناء وتطوراً في الأداء، لغياب رؤية فلسطينية تُراصف قوتها وبناءها وفق أهدافها بالتأثير المباشر لقوة عدوها الصهيوني وتسلحه وانتشاره في كل المجالات.
إن هذا الضياع الذي تمر به القضية الوطنية الفلسطينية تتحمل القيادة مسؤوليته المباشرة، وهو نتاج عملها بالدرجة الأولى، ثم جهود العدو الصهيوني في كل الميادين والساحات للأسف.
العدو حقق أهدافه المحددة وتفاجأ باندفاعات واسعة في مساحات كانت محظورة عليه وتشكل له أماني مُتخَيَّلَة غير ممكنة.
نعم، العدو تمكن من جعل جزء من الفلسطينيين يتصرفون وفق إرادته وخدمة لأجندته تحت مسميات وتبريرات مختلفة، وأصبح يفاخر بأنه يقيم علاقات واسعة مع دول عربية وإسلامية في مجالات اقتصادية ودبلوماسية ورياضية وثقافية وفنية وتجارية شملت معدات عسكرية وخبرات أمنية وتكنولوجية.
هذا الوضع الصعب لن يستمر، ولن تدوم حالة تقاطع المصالح وتطابقها، ولن تستمر الثورة بلا رأس وقيادة، لا تحمل رؤية وطموحاً، لا تزرع في نفوس أبنائها العزة والمجد اللذين يجعلان الشباب يحملون أرواحهم على أكفهم فداءً للوطن.
ولا يبدأ التحول إلا من النقطة التي نحن فيها، وأفضل توقيت عندما نقرر أن نبدأ، فالإرادة للكفاح موجودة لدى الشعب، والاستعداد للتضحية متوفر، وإمكانية الاستنزاف ممكنة في كل زمان ومكان في فلسطين، لكن المطلوب روح الثورة وعزمها يُرى ويُشاهَد في عيون قيادتها، يمنحهم الأمل بالقدرة على الانتصار والوصول والقوة على مواجهة الاحتلال والعزم على الاستمرار في ضربه واستنزافه من خلال إدارة هذه الإرادة وهذه القوة وتوجيهها بعقل الواثق المتبصر الذي يضع الإنسان الفلسطيني على رأس الأولويات من حيث القيمة والمكانة، فهو رأس مال الثورة بوعيه واستعداده وقدرته وإبداعه، يُدَرَّب ويُسلَّح ويُوجَّه ويُسنَد، فإذا استشهد يُؤبّن ويُسار بجنازته ويُعتنى بعائلته وذويه، وإذا جُرح يُعالَج، وإذا أُسر يُبذل كل جهد وفق إستراتيجية ثابتة ألّا يبقى الأسرى سنوات عديدة في الأسر حتى لا يردع هذا العقاب الأجيال والشباب الثائر.
هذا الجهد والاستثمار للإنسان الذي يشكل رأس المال على مستوى الفرد والمجتمع وعلى مستوى الحاضنة من خلال التوعية ورفع الحس الأمني والوطني للتضامن والتكافل والإسناد بحيث يتحول المجتمع لبحر تتحرك فيه حيتان الثورة في حضن دافئ ووعاء جامع.
فلا بد من رأس للثورة والمشروع يحمل هذه المواصفات ويُعِدّ الشعب في ظل الاحتلال للمقاومة ويرفع هممه، ويؤكد قيم الثورة ورسالتها، ويحمي ظهرها ويحافظ ويصون إفرازاتها من شهداء وجرحى وأسرى حتى تستمر على مسارها لتحقيق أهدافها بكل وسيلة ممكنة.
فيا أيها الشعب الفلسطيني العظيم، فلسطين غالية ولن تعود إلا بدفع الغالي، ولا يصون هذه التضحيات إلا قيادة بمواصفات ثورية.
فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان .
ولا تترددوا، واعلموا أنه لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.