فلسطين أون لاين

الطفل آدم سالم.. ساق مبتورة وطموح لا ينقطع

...
الطفل آدم سالم
غزة- نور الدين صالح

بينما كان الطفل آدم سالم -ابن الـ15 ربيعًا- يحاول الاحتماء تحت ظل مكان قريب، هربًا من زخات المطر التي انهمرت على مدينة غزة قبل أيام عدّة، كاد أن يهوي نحو الأرض نتيجة اعتماده على "عكازين" طبيَّين بدلًا من قدمه.

كان ذلك عندما اقتربت عقارب الساعة من الثانية عشرة ظهرًا، حينما همّ "آدم" الذي فقد ساق اليُمنى بفعل رصاص قناصة الاحتلال المتمركزة خلف السياج الاحتلالي الفاصل شرق قطاع غزة، بالخروج من باب مدرسته.

تفاصيل المشهد "الصعبة" رسمت علامات من الحزن على تقاسيم وجه "آدم" البريء، الذي أخذ ينظر إلى قدمه المبتورة، ويسترجع لحظات ما قبل إصابته خلال مسيرات العودة التي انطلقت قبل أكثر من سبعة أشهر.

لحظات صعبة

بدأت فصول الحكاية يوم الأربعاء 27 يونيو/ حزيران، حينما ذهب "آدم" برفقة خاله وابنه، إلى أرضه الزراعية القريبة من منطقة "أبو صفية" شرق مخيم جباليا شمال القطاع.

ما إن وطئت قدماه تلك الأرض حتى توجه برفقة ابن خاله نحو خيام العودة القريبة من المكان لشرب المياه من هناك، ثم أراد أن يأخذ قسطًا من الراحة وقتئذ، وفق ما روى آدم لـصحيفة "فلسطين".

مرّت بضع دقائق حتى باغتهم جيب عسكري تابع للاحتلال الإسرائيلي خلف السياج الفاصل بإطلاق النار المباشر صوب أحد الشبان القريبين من السياج.

ويروي آدم أنه عاش لحظات من الصدمة والخوف حينما همّ بالهرب إلى منطقة آمنة تحميه من غدر قناصة الاحتلال التي لا تفرق بين البشر والحجر والشجر.

لم تمضِ لحظات قليلة بين محاولة الطفل الالتفاف بجسده والهرب إلى نقطة آمنة، حتى باغتته رصاصة "غادرة" من قناصة الاحتلال الإسرائيلي، استقرت في قدمه اليُمنى، يقصّ أولى لحظات الإصابة.

قوة الرصاصات التي تجاوز عددها السبع أوقعته على الأرض لعدة دقائق حتى ترجّلت قوة من جنود الاحتلال واجتازت السياج الفاصل، بُغية اعتقال الطفل سالم، وهنا يقول: "وقعتُ على الأرض عقب الإصابة، وكان الدم ينزف من قدمي، ثم جاء عدد من جنود الاحتلال واعتدوا عليّ واقتادوني معهم".

رحلة العلاج

يصمت "آدم" قليلًا محاولًا استرجاع لحظات الإصابة التي غيّبته عن الوعي، قائلًا: "استيقظت بعد يومين من الإصابة فوجدت نفسي في مستشفى برزيلاي في عسقلان المحتلة".

مشاعر من الخوف والألم اجتمعت عند "آدم" حينما التفت بوجهه؛ إذ بجنود من الاحتلال مدججين بالسلاح يجلسون حول سريره، ويشتمونه، ويدوسون بإقدامهم على "قدمه المصابة"، يسترجع آدم أولى لحظات وصوله للمستشفى الإسرائيلي.

مرّ نحو أسبوعين على هذه الحالة إلى حين أقرّت سلطات الاحتلال بإعادته إلى قطاع غزة، عبر سيارة إسعاف إسرائيلية.

لكنَّ أبرز ما تحدّث به "آدم" أن رحلة عودته لغزة في الإسعاف تخللها لحظات من الخوف، بعدما رافقه عدد من جيش الاحتلال ومحققيه، وأخرجوا له "صورًا مدبلجة" له بأنه كان يحمل سكينًا خلال وجوده قرب الحدود.

بعدما وصل قطاع غزة كان قد ظهر "العفن" على قدمه، حينها قرر الأطباء بترها، خشية تدهور حالتها ووصولها لأجزاء أخرى من الجسم، فأجرى عملية جراحية استمرت ثلاث ساعات.

"كنت فرحانًا جدًّا بعد ما خرجت من العملية، لأني لم أشعر بالوجع كما السابق"، يتحدث عن أولى الدقائق بعد خروجه من غرفة العمليات.

يقاطعنا حينها والده عماد سالم (48 عامًا) الذي كان يجاور ابنه "آدم"، فيروي لحظات تلقيه نبأ إصابة طفله قائلًا: "كان خبر الإصابة كالصاعقة"، مستدركًا: "لكنني حينها بدأت بإجراءات الاتصالات على المؤسسات الحقوقية المعنية لمعرفة مصيره".

يصمت قليلًا ويحدّق بعينيه يمينًا ويسارًا ثم يردد: "أسبوعان وأنا لا أعلم عن آدم أي خبر، سواء سلبي أو إيجابي، وهو ما زادني قلقًا وتوترًا".

انقضت تلك الأيام الصعبة على الوالد المكلوم، وإذ بأحد ضباط جيش الاحتلال يتصل به، ويخبره أن "آدم" في المستشفى وسيعود إلى قطاع غزة ذلك اليوم، "للوهلة الأولى لم أُصدق ما قاله ذلك الضابط"، يتحدث الأب "سالم".

لكنّ مضمون الاتصال كان واقعًا كما يقول سالم: "استقبلنا آدم عند حاجز بيت حانون/إيرز شمال القطاع (...) كان مظهر آدم متغيرًا؛ جسمه ضعيف كثيرًا وتخرج من قدمه رائحة كريهة جدًّا"، يحكي لحظة الاستقبال.

عزيمة وإصرار

رغم أوجاع الإصابة فإن "آدم" يمارس حياته الطبيعية، حيث يتوجه يوميًّا إلى مدرسته القريبة من منطقة سكنه في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.

ويقول: إنه يتلقى معاملة "طيبة" ومراعاة من المعلمين وزملائه في المدرسة، بل يحاول بعضهم حمل شنطته المدرسية في أثناء عودتهم من المدرسة.

بعزيمة وإصرار يستعلي آدم على جراحه ويستند إلى "عكازيه"، محاولًا ممارسة لعبته المفضلة "كرة القدم" مع "أولاد الحارة".

ويرى سالم في مسيرات العودة "خطوة مهمة" على طريق استعادة حق الشعب الفلسطيني بالعودة للأراضي المحتلة، مؤكدًا في الوقت ذاته، استمراره في المشاركة فيها.

وأخيرًا، فإن "آدم" لا يزال ينتظر بفارغ الصبر تحويله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتركيب طرف صناعي، كما وعدته مؤسسة إغاثة الطفل في قطاع غزة، وتهتم بعلاج مصابي مسيرات العودة.

قصة "آدم" التي امتزجت بالألم والإصرار كانت واحدة من بين 94 مصابًا بحالات بتر من الأطراف العلوية والسفلية، منذ انطلاق مسيرات العودة في 30 شهر مارس/ آذار، حسب إحصائية صدرت عن وزارة الصحة في غزة مؤخرًا.