حين تفكر أن تكون زوجًا عليك البحث عن أفضل طرق المعالجات الشعورية، عليك أن تهيئ نفسك أن تكون صانعًا ماهرًا لفسيفساء الشعور.
منذ اللحظة الأولى التي تجمعك بزوجك المصون تكون قد بدأت إعادة تشكيل لبنيتها الشعورية، والقصد أنك بتصرفاتك معها وأخلاقياتك واهتمامك واحتوائك لها أنت تصنعها على مرأى قلبك، كما يتمنى وكما يريد.
طريقة تعاملك مع زوجتك تنعكس عليك، فلا يظن أحدكم أن اللطف بالزوجة واحترامها والاهتمام بها تقلل من شأن رجولته، وأن مساعدته لها في شؤون البيت من وقت إلى آخر تدني من مكانته.
إن أردت أن تحترمك زوجتك فاحترمها، وإن أردت أن تهتم بك فاهتم بها، اشعر بشعورها كما تطلب منها أن تشعر بك، لا تهملها أو تهنها أو تكسر من عزيمتها، وتقلل من شأنها، وتلوح لها بين الفينة والأخرى بمقارنات شتى، وتعط معظم وقتك أصدقاءك أو عملك أو أهلك؛ فهي أقرب رفيق إلى قلبك، وهي أهلك حين حزنك وتعبك، وهي جزء من عملك، ألست تقوم على صناعتها كما تريد؟!، ألا تريد زوجة مطيعة ومحبة ومميزة تحترمك، وتساندك، وتفهمك؟!، لا يضيرك أن تبني فيها ما يشيّد بينكما دولة من الحب، لا تنهار أسسها مع المواقف، ولا تزول معالمها مع مرور السنين، اجعل لها وقتًا تجالسها فيه وتضاحكها، تشركها في اهتماماتك، لا بأس أن تشرح لها ما تحبه، ما تتمناه عليها.
علمها؛ فأنت معلمها وصديقها وحبيبها وسندها ورفيق عمرها، لا تترك المسافات تكبر بينكما، لا تبخل ببسمة في وجهها، لا تخش الثناء عليها حتى في إعدادها فنجان قهوة، أشعرها بأهميتها في حياتك، لا تقصها عن شؤونك وتتحجج بأسرارك، لا تنفرها من القرب بانتقاداتك اللاذعة لها طيلة الوقت، جامل أهلها رفقًا بخاطرها، لا تبكِها رأفة بعينيها، كن مترفقًا في نصيحتها، كن رقيق القلب، ولا تكن شحيح العاطفة، فالمرأة عاطفية بطبعها، تحب من يهتم بها ويدللها ويثني عليها. قدم ما تستطيع ولا تتحجج بالوضع المادي، فالمادة لا تمنع ابتسامة وجهك، ولا كلمات الثناء، ولا المدح، لا تمنع الحنو والعاطفة، شكل عاطفتها كما يتمنى قلبك، المرأة إن لم تجد من يهتم بها، أو وجدت من يقسو عليها؛ تصبح جافة، أو -بالأحرى- تتخلى عن عاطفتها بشغل نفسها بالعمل، أو العلاقات الاجتماعية الكثيرة؛ لتسد ثغرة في قلبها.
كان رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) يدلل زوجته عائشة (رضي الله عنها) فيناديها: "يا عائش"، كان يكون في خدمة أهل بيته، وموقفه مع زوجه حين اشتهت التسرية عن نفسها بمشاهدة الأحباش، الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: “وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإمّا سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإمّا قال: "تشتهين تنظرين؟"، فقلت: "نعم"، فأقامني وراءه، وخدي على خده، وهو يقول: “دونكم يا بني أرفدة”، حتى إذا مللت قال: “حسبك؟"، قلت: "نعم"، قال: (فاذهبي)”.
لو تأملنا كم الحب والحنو والرحمة في الحديث هنا، بدءًا بسؤال النبي لزوجه: "تشتهين؟"، ثم ردها: "نعم"، واستجابته لتلبية رغبة زوجه في الترفيه عن نفسها، ولو نظرنا في "أقامني وراءه وخدي على خده" هذا القرب كم يحمل من الألفة والحنو، ثم قولها (رضي الله عنها): "حتى إذا مللت"، لم يتأفف حبيبنا، بقي على هيئته حتى ملت وقالت: "يكفي"، لمَ لا تحاول -أيها الزوج- السير على خطى النبي الكريم، لا تسخر من زوجتك وتقول: "كوني عائشة"، فربما لو حاولت أن تتشبه بالنبي الكريم لنتج عن ذلك تشبها بعائشة (رضي الله عنها)، بقدر ما يُكرِم المرء يُكْرَم، إلا حالات شاذة لا تعد قاعدة.
اصنعها على مرأى قلبك، لأن القلب ألطف في معاملة من هم أبعاضنا، اروِ بستانك ولا تدعه يجف، علّمها ولا تمل، كما تريدها أن تنفذ ما تحب اجعلها تنفذه بحب، فلا تحرم ولا تبخل ولا تُهِن ولا تتجنَّ، إنها دولتك التي تعيش تحت ظل حكمك؛ فكن قائدًا محنكًا، حتى تحافظ عليها وتحافظ عليك.