منذ قيام السلطة الفلسطينية حتى يومنا هذا ليس ثمة رؤية -مكتوبة أو غير مكتوبة- تحكم طبيعة العلاقة بين السلطة وبين منظمة التحرير الفلسطينية، ولذلك كانت الاجتهادات الشخصية لقادة منظمة التحرير والذين هم أنفسهم متنفذون في السلطة التي تتحكم بما تكون عليه العلاقة تبعًا لما تقتضيه الحاجة. فمنذ تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994 حتى عام 2006 كانت مرحلة تهميش وسحب الصلاحيات من المنظمة لصالح السلطة الفلسطينية وتم إصدار قوانين ومراسيم تخدم الفكرة من منطلق أن مرحلة الثورة انتهت وبدأت مرحلة الدولة الفلسطينية، على أساس أن السلطة الفلسطينية هي النقلة الأساسية لقيام الدولة الفلسطينية، ولكن الأمور انقلبت رأسًا على عقب بعد أن فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 وحازت على أغلبيته، فبدأت الصلاحيات ترد تدريجيًّا إلى منظمة التحرير وكذلك تسمية بعض المؤسسات على أنها تابعة للمنظمة بالدرجة الأولى مثل الشؤون الخارجية والإعلام والاتحادات والنقابات، ومع ذلك لم تأخذ المنظمة دورها بشكل حقيقي وإنما ارتبطت المهام برئاسة المنظمة والتي هي نفسها رئاسة السلطة.
الشهور الأخيرة شهدت خطوات حثيثة لاستبدال السلطة بمنظمة التحرير بشكل جذري وخاصة مع إعلان الرئاسة -استنادًا إلى حكم محكمة دستورية- حل المجلس التشريعي المنتخب، حيث يناط بمؤسسات منظمة التحرير إدارة أراضي السلطة الفلسطينية والتي سيصار إلى إعلانها "دولة تحت الاحتلال"، وهنا يظهر التناقض في طبيعة العلاقة بين السلطة والمنظمة والتي كانت تمثل سابقًا مرحلة الثورة والآن أصبحت تمثل مرحلة الدولة.
التحولات آنفة الذكر لم تكن نتيجة لطبيعة الصراع بين الفلسطينيين والمحتل الإسرائيلي ولكنها كانت نتيجة الصراع الداخلي والتي بدأت باقتتال داخلي عام 2007 بين فتح وحماس ثم إلى خلافات حزبية بينهما لعدة سنوات، والآن نجد بعض فصائل منظمة التحرير تتماهى مع حركة حماس في مواقف كثيرة وتقف ضد الإجراءات الحالية التي تتخذ باسم المنظمة.
قوة منظمة التحرير الفلسطينية قوة لشعبنا وقضيتنا أما ضعفها فقد لا يؤثر كثيرًا على مسار القضية الفلسطينية، وقوتها لا تكون إلا بتمثيلها الحقيقي لشعبنا وتطلعاته، وهذا لن يتحقق إلا بالمصالحة والتمسك بالوحدة الوطنية والابتعاد عن ردود الفعل المتسرعة لجميع الفصائل، ولذلك من الحكمة أن تعي قيادة المنظمة هذه الحقيقة وإلا فإن المنظمة ستنتهي لا محالة وخاصة أن التحديات تزداد مع الوقت، فلا يمكن للمنظمة أن تستمر وثقلها الأكبر محصور في الضفة الغربية، وفصائلها مرتبكة ومترددة، ولا يمكنها أن تستمر وأكبر فصيل فيها يعاني من مشاكل داخلية، فضلا عما تواجهه المنظمة أو السلطة من تعنت إسرائيلي وأمريكي ومؤامرات عربية لا تساعدها على تنفيذ شيء من برنامجها السياسي حتى تظهر قوية وتحافظ على حصتها الجماهيرية في الشارع الفلسطيني.