أعلن جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس ترامب وصهره، وأحد مبعوثيْه -مع جرينبلات- إلى الشرق الأوسط، أن تفاصيل "صفقة القرن" ستعلن خلال فترة قريبة. وبغض النظر عن تفاصيلها، فإن بنود الصفقة يمكن استشفافها من خلال تصريحات المسؤولين الأمريكيين المعنيين، ومن قرارات الرئيس الأمريكي. فمثلاً، ستبقى القدس هي "العاصمة الأبدية الموحدة ل(إسرائيل)، كما أن دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة لن تقام. بل الحديث يدور عن فصل نهائي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
جيسون جرينبلات المحامي، صديق الرئيس الأمريكي، المكلف والمتحمس لتصفية القضية الفلسطينية، لا يخفي أن خططه لحل القضية الفلسطينية تبدأ من طلبة الجامعات. فهو يريد برامج تدريب وتشغيل للطلاب الفلسطينيين، مراهناً على أن حالة التيه وعدم وضوح البرنامج السياسي الفلسطيني للفصائل والسلطة، وقرارات تتخذها المجالس الوطنية الفلسطينية ولا تنفذ، ومحاولة مصالحة بعد محاولة دون فائدة، ووضع معيشي بائس، خصوصاً في قطاع غزة، وحالة رعب وبطالة ومقاومة يومية في القدس، ومخيمات ومناطق لا تصلها أجهزة أمنية، ولا تنظيمات لتؤطر شبابها، يراهن على كل هذا، لتمرير المخطط.
لقد نجح ما يسمى ب"اليسار الصهيوني" عبر اتفاق أوسلو، بالالتفاف عليه، وتحويل الثورة الفلسطينية إلى سُلطة، واليمين الصهيوني وجرينبلات يريدان إنهاء حلم تحول السلطة إلى دولة، وتحويل الفلسطينيين إلى شعب بلا وطن، وتحويل خريجي الجامعات إلى موظفين وأُجَراء في المستوطنات والشركات الإسرائيلية، مقابل نسيان المطالب الوطنية.
هذه خطة يعلنها الأمريكيون تدريجياً، وستعلن بنودها أكثر خلال شهر يناير/كانون الثاني 2019 كما يقال، وهناك رجال أعمال وأشخاص يتعاونون، وهناك رأي عام حائر، يفكر ما العمل؟ والبعض يقول، أليس أفضل أن نقوم بالعمل وننتشل أنفسنا من الضنك؟ ألم تقم الانتفاضة الأولى بينما كان العمل في المنشآت الإسرائيلية مزدهراً؟ أليست هذه وسيلة لنمكن أنفسنا ونلتقط أنفاسنا، ثم نواجه ونقاوم، ستبرز هذه الأفكار وعشرات مثلها. لكن النخب السياسية الفلسطينية واعية ومدركة ووطنية وقادرة على الوصول للمواطن وإقناعه بعقم هذا الحل التصفوي، وليس مثلما يفترضها جرينبلات بأنها قادرة على إقناع المواطنين بالحل.
نقول ذلك، وفي تاريخنا عشرات المرات التي أفشلت الثورة مخططات السبعينات والثمانينات لتصفية القضية بروابط القرى والبلديات والحكم الذاتي وغيرها. إنّ خطط تحويل المقاومة إلى سلطة تقليدية بما في ذلك غزة، وخطة تحويل الشعب الفلسطيني إلى مجرد باحثين عن عمل ستستمر. لكن لن تنجح هذه الخطط في نهاية المطاف. إلا أن رد الفعل الناجع يتطلب القضاء عليها في مهدها، بموقف واضح وحازم يعلن للملأ بقوة وحسم من دون مواربة.
إن "صفقة القرن" تهدف - كما يقولون - إلى إقامة مشاريع اقتصادية لتحسين مستوى معيشة الفلسطينيين في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، أي استبدال السلام السياسي ب"السلام الاقتصادي"، وكأن الحقوق السياسية تستبدل بما يسمونه "الرخاء الاقتصادي"! وهي تنبع من تصور شيمعون بيريس للشرق الأوسط الكبير أو الجديد مثلما طرحه في مؤلفه الذي يحمل ذات الاسم. لذلك وفقاً لخطة جرينبلات، فقد تم رصد 450 مليون دولار لمساعدة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية وتمويل مشاريعها، شريطة التزامها السياسات والتوجهات الأمريكية. إن ذلك جزء من خطة المخابرات المركزية الأمريكية التي كشفها المؤلف الأمريكي ج. ستوندرز في مؤلفه القيّم "الحرب الباردة الأمريكية والمخابرات المركزية الأمريكية".
بالطبع قطع الرئيس الأمريكي ترامب المساعدات التي كانت تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية، وكذلك قطع المساعدات عن "الأونرا". كما أن المحاولات تُجرى للضغط على الدول العربية المحاذية لفلسطين لتوطين الفلسطينيين فيها مقابل تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة. كل ذلك بهدف تمرير الحل التصفوي.
على صعيد آخر، تمضي دولة الاحتلال في سنّ القوانين المتعلقة بإحكام سيطرتها القانونية على أرض فلسطين التاريخية وعلى هضبة الجولان العربية السورية باعتبارهما أراضاً إسرائيلية. جرينبلات كما سيّده، كما العدو الإسرائيلي، يريدون تطويب فلسطين مقابل "حفنة من الدولارات"! لكن شعبنا الذي أسقط على مدى قرن زمني 83 مشروعاً استعمارياً صهيونياً لتصفية قضيته الوطنية، سيسقط "صفقة القرن" ومخطط جرينبلات الذي يراهن على تطبيق الصفقة من خلال المدخل الاقتصادي.