لا يخلو أي إنسان من الشعور، بغض النظر عن نوع الشعور إيجابي أو سلبي، بل يتحرك الإنسان منا نتاج شعور كامن يعمل بداخله باتجاهات وزوايا معينة.
الغالب منا يفتقر لممارسة رياضة الشعور، وهي التي توفر للشعور لياقته. كلنا يتعرض لمواقف حياته يكتنز من خلالها عشرات المشاعر يوميًا. قد نتعرض للفرح أو للحزن المفرط والضيق الذي يأتي فجأة، ونحن لا نستطيع أن نتحكم في المشاعر الناتجة عن المواقف، غالبًا ما ننصاع إليها بسرعة ونتمدد فيها حتى تأخذ كفايتها منّا.
الخطأ الذي نرتكبه أننا أحيانًا نكون في بقعة شاغرة بموقف حياتي أو مرحلة حياتية لا تسمح لنابالوقوف في محطة شعور الحزن مثلا، ولنعطِ مثالًا على ذلك: ربما يتعرض أحدهم إلى أزمة عاطفية أو صدمة فقد أو خسارة ما وهو مشغول في دراسته وعلى وشك إنهائها، أو يعد مشروعا معينا، فهل يسمح لذاك الشعور السلبي أن يتمدد بداخله ويقوم بالاستيلاء علىمساحة كبيرة من فكره وإشغال حيزّ وقته؟! الجواب: علينا في هذا الموقف أن نمارس رياضة ضمّ الشعور وثنيه، تماما كما نمارس رياضة ضم الذراع وثنيها تجاه الصدر كجزء من رياضة مرونة الجسد... إن ضمك الشعور إلى داخل قلبك في ركن بعيد هو فعل مؤقت؛ لتثنيه عن إعاقتك من إكمال ما أنت فيه،فأنت بذلك تقبض عليه وتحد من حركته فيك، الأمر ليس صحيا أن نكتمه بكامله، كما أنه ليس صحيا أن نتركه يتمدد فينا بشكل مفرط ليأخذنا منا ويضمنا إليه بسلطة احتلال كاملة.
إن تأجيلانتشار الشعور هو فنفي بعض الأحيان، فربما يعيقك الشعور بالفرح عن تقديم اختبار ما مثلا، لأنك تريد أن تتوقف في محطته وتشرد بذهنك تجاهه! الأمر بيدك، أوقفه مؤقتا وقل لذاتك، بعد قليل سأمد ذراع الفرح، وأصافحها لكن علي الانتهاء مما في يدي.
كثيرا ما ننسى أنفسنا بحجة أننا مشغولون بالحزن أو الفرح فنخفق في أعمالنا وإنجازاتنا؛ لأننا لا نملك ثقافة ضم الشعور وتأجيله، لأننا أعطيناه كل الوقت ولم نتعامل معه بمحدودية، فنحن نميل إلى ترهل المشاعر بتركها تأتي وتذهب على مزاجها وتأكل منا وتأكل من وقتنا دون تحكم ودون تحديد حد أقصى لوزنها الطبيعي.
من الواجب علينا تحديد وزن طبيعي للشعور، علينا امتلاك القدرة على تأجيل بعض المشاعر، ولا نقصد بذلك الحرمان التام، بل إقصاء بعض الشعور لحين أن تفرغ نفسك مما هو أوجب منه.
لا تكن من أولئك الذين يشتتون ذواتهم بتوزيعها في بقاع شتى، ولا يستطيعون تتمة عمل واحد؛ لأنهم فقدوا القدرة على إعطاء الموقف الواحد الشعور الذي يستحق.
فالعمل والدراسة تحتاج منك التركيز الكافي، والإنجاز الحياتي يقتضي منك الانتباه للطريق الذي تسلكه، والحزن يقتضي أن تقف معه لكن لا تسمح له أن يأخذك إليه، والفرح يتطلب أن تعيشه لكن بحدودلا تنسى معها أن تحقق فرحا آخر،فلا يكون فرحك سبب فشلك في أمر ما.
"لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: ٢٨٦) فالله رحيم بنا، فكيف لا نرحم أنفسنا! على كل واحد منا أن ينظم مشاعره وألا يسرف وألا يعلق تقصيره في أمر ما على شماعة الغرق في شعور ما.