بداية وقبل الخوض في الموضوع فإنني أقرّ وأعترف بحق المرأة في العمل، وحقها في أن يكون لها كسبها الخاص بها؛ ذلك أن هذا الأمر مباح شرعاً، حيث قرر الشرع أن المرأة لها ذمتها المالية المستقلة على خلاف الشرائع الأخرى.
وبعد هذا، فإنه بلا جدال مجتمع مأزوم، نعيش مجموعة من الأزمات على صعد شتى، وعلى رأس هذه الأزمات هي أزمة الفقر التي سببها الأول هو هذا الحصار الظالم المفروض علينا منذ زمن ليس باليسير، وأن هذه الأزمة الاقتصادية هي سبب في مجموعة أزمات غيرها كثيرة، وهي سبب في تولد مشاكل اجتماعية كثيرة، على رأسها هذه الزيادة في عدد حالات الطلاق، ثم حالات النصب والاحتيال والكسب غير المشروع، ثم التسبب في سجن الكثيرين من المديونين الذين لم يستطيعوا الوفاء بديونهم ... الخ.
إن هذه الأزمات قد أثرت في مجتمعنا أيّما تأثير، وقد استطاعت أن تضعف الترابط الاجتماعي الذي حرص عليه الإسلام حرصاً شديداً، حيث قال الله تعالى آمراً: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، لكن الاعتصام قد تخلخل، والفرقة قد حصلت بسبب هذه الأزمات.
وعلى ذلك فإن ضرورة التخفيف من آثار هذه الأزمات، وليس حلها نهائياً، تقتضي التوزيع العادل لما تملكه الحكومة من مال يسير، والتوزيع العادل في هذه الحال لا يكون بتوزيع المال بالتساوي؛ بل إن العدل هنا يقتضي أن يوزع المال بحسب الكفاية، وأن يُعطى لمن يستطيع أن ينفقه على أكبر قدر ممكن من الأفراد.
وما أريد قوله بوضوح: إنه عند توزيع الوظائف إن وجدت، أو الأموال المتقرّرة للبطالة، فإن الرجال في مثل ظروفنا التي نعيشها هم أولى بها من النساء؛ ذلك أن الرجل يعول نفسه، ويعول أسرته، وقد يعول أباه وأمه وإخوة له قُصّر، أو أن هذا الرجل إن كان أعزبَ فإنه يتزوج ويعيل زوجته وأسرته من بعد ذلك.
أما المرأة سواء كانت عزباء أو متزوجة فإنها لا تعيل أحدًا، وإنما راتبها لجيبها في غالب الأحيان، وبإسناد الوظيفة إليها فإننا نحرم أسرة كاملة من هذه الوظيفة، ونقدم الفائدة لشخص واحد فقط.
ليس هذا الأمر على إطلاقه؛ بل إن كانت المرأة مضطرة لإعالة أسرتها فلا مانع هنا من أن يكون لها نصيب في التوظيف، لأن هذا ينسجم مع السبب الذي من أجله قلنا إن أولوية التوظيف تكون للرجل، ويجدر بنا هنا أن نقول: إن إعطاء الأولوية للرجل ليس لأنه محض رجل؛ بل لأنه يعيل من يقوم بإعالتهم، وهذا هو السبب الذي من أجله قلنا ذلك، فإن توفر نفس السبب عند المرأة فيجب أن تكون هي صاحب حق أيضاً في هذه الظروف التي تمرّ بنا.
هذا، مع الإشارة إلى أن هناك أيادي حفية قد عملت على زيادة المشكلة الاقتصادية في المجتمع وتفاقمها، وذلك عن طريق فتح الباب لتشغيل النساء بشكل أكبر من تشغيل الرجال، وقد يبدو هذا جلياً في سياسة وكالة الغوث، التي كانت أكثر الجهات حرصاً على هذا الأمر، وكان القائمين على هذه المؤسسة أرادوا بالفعل المساهمة في الأوضاع المزرية التي يعيشها مجتمعنا، وقد سار على نفس الأمر الكثير من المؤسسات الأجنبية العاملة في القطاع وكأن الأمر متفق عليه، وهذه قضية يجب النظر إليها بعناية، والعمل على علاجها.
نقول هذا، لأن ترتيب الأولويات في الإسلام أمر واجب وقد دلت عليه نصوص الشرع، نذكر منها قوله تعالى: (فصلّ لربك وانحر)، حيث رتبت الآية الأعمال التي يقوم بها المسلم يوم عيد الأضحى، وهي الصلاة أولاً ثم نحر الأضاحي، وقد اقتضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، حيث قال: "أول ما نبدأ به يومنا هذا نصلي ثم ننحر"، ومن الأدلة على وجوب ترتيب الأولويات أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أبدأ بنفسك ثم بمن تعول"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "الأقربون أولى بالمعروف"، حيث رتبت السنة النبوية كيفية الإنفاق، وذلك بأن يبدأ الإنسان بالإنفاق على نفسه، ثم على أهله وعياله، ثم على باقي قرابته من بعد ذلك.
أخيراً، ما ذكرته هنا إنما هو حلّ استثنائي لمشكلة اجتماعية خانقة وقاتلة يعيشها أبناء هذا القطاع، واجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن يساهم في حلها، حتى وإن كان مطلوب منه أن يضحي بوظيفته من أجل غيره هو أحوج منه بها، بمقتضى ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، كما جاء في قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).