فلسطين أون لاين

​أحمد دهمان "الشيف" الأصم

...
غزة/ أدهم الشريف:

ربما لا يخفى على أحد شهرة الطهاة الأتراك وغيرهم من أصحاب الأسماء اللامعة عالميًّا، لكن غزة أيضًا أصبح لديها "شيف" فريد من نوعه؛ ليس بإمكانه السمع أو التحدث إلى أحد، لكن لديه حاستا شم وتذوق جعلتاه طباخًا ماهرًا رغم إعاقة الصم التي لازمته منذ ولادته قبل (27) عامًا.

ليس ذلك فحسب، فهو شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة يقدم ما يجهزه من طعام إلى أطفال من ذوي الإعاقة الحركية والعقلية المتعددة.

بقدر معاناة هذا الشاب أحمد دهمان من سكان حي النصر بمدينة غزة من الإعاقة في بداية حياته أصبح قادرًا على الاعتماد على نفسه، بعدما تجاوز الإعاقة وأصبح طاهيًا لا يشق له غبار.

تبدو سعادته تتجاوز كل الحدود بما يفعله يوميًّا، ولذلك تجده دائمًا يبتسم، ويصافح كل من تدلف قدماه إلى مطبخه.

قصة نجاح دهمان لم تأتِ في يوم وليلة، فما بين الإحباط الذي لازم عائلته، وإصرارهم على إيجاد واقع أفضل لابنهم الأصم الوحيد من بين 11 ابنًا وابنة آخرين، صنع الأفضل لنفسه وزوجته وبنتيه (3 أعوام، وعام واحد).

"عندما ولدت تفاجأ والداي بعدم قدرتي على السمع، وظنا أنني أعاني مشكلة ما، فذهبا بي إلى الطبيب، وبعد إجراء الفحوصات تبين أنني أصم، فتفاجأا" قال دهمان بلغة الإشارة لمعلمة التربية الخاصة في مركز "نعم أستطيع" للأطفال ذوي الإعاقة نهال سعدة.

وكانت نهال تنقل لمراسل "فلسطين" ما لا يفهمه شخص لا يعرف لغة الإشارة، التي أتقنها دهمان بعد التحاقه بجمعية أطفالنا للصم بغزة، التي غادرها بعد سنوات طويلة.

وأضاف: "انتقلت من جمعية أطفالنا للصم إلى العمل في أحد المطاعم المحلية مدة 3 أعوام متواصلة، قبل أن ينتهي المشروع الذي عملت فيه".

ولم تمضِ سوى أشهر قليلة، حتى التحق دهمان بمركز "نعم أستطيع" التابع لجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، في شمالي القطاع، قبل عامين من الآن.

وقالت نهال: "إن دهمان عندما جاء المركز كان خائفًا في البداية من أن أحدًا لا يعرف لغة الإشارة، وبذلك سيفقد التواصل مع العاملين فيه، وسيواجه مصاعب جديدة في حياته، لكن جميع العاملين في الجمعية استطاعوا التأقلم معه، وأدخل ذلك الفرحة إلى صدره، وشعر أن الدنيا ضحكت له".

وبلغة الإشارة وبعض الحركات بيده شرح سريعًا كيف كانت فرحة زوجته أيضًا وعائلته، بعمله الجديد.

ولوح بيده ببضع إشارات، ترجمتها لنا نهال، وكانت تعبر عن مدى حبه لزوجته الصماء مثله.

ويبدو الشاب في غاية سعادته وهو يتفقد أدوات الطعام داخل مطبخ خصص له في المركز، ولا يفارقه إلا لتقديم الطعام لـ18 طفلًا لديهم إعاقات عقلية وحركية متعددة، يقدم المركز خدماته الإغاثية لهم.

ويجهز دهمان الطعام للأطفال ذوي الإعاقة يوميًّا وفقًا لجدول معلق على أحد جدران المطبخ، يحتوي على الأغذية التي ستقدم لهم، وتتنوع ما بين الألبان والأسماك واللحوم والفواكه، والمشروبات المختلفة كذلك.

وقال بلغة الإشارة: "آتي باكرًا كل صباح المركز، وأتفقد نظافة المطبخ قبل تحضير اللبن للأطفال، ولاحقًا أعد العصير لهم، ومع حلول الساعة 11:30 أقدم لهم وجبة الغداء".

وعندما يقدم لهم الطعام تغمره السعادة وتملأ الابتسامة وجهه، وأكد أنه يحب هؤلاء الأطفال كثيرًا، ويشعر أنه فرد من عائلاتهم، حتى إن بعضهم بات يعرف كيف يتعامل مع دهمان، ويطلبون ما يريدون من مأكولات ومشروبات بلغة الإشارة، ويلبي هو طلباتهم.

ويأمل أن يستمر عمله طاهيًا في المركز طويلًا، ويخشى عكس ذلك تمامًا، لأن إعاقته ستحول دون حصوله على فرصة عمل جديدة في مكان آخر.

وبحسب ما ذكر مدير برنامج التأهيل المجتمعي التابع لجمعية الإغاثة الطبية مصطفى عابد إن نسبة تشغيل ذوي الإعاقة في قطاع غزة لم تتجاوز 1.5 من المئة، وهذا يتعارض مع القانون الصادر في 1999م، الذي كفل تشغيل 5 من المئة منهم، والاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة.

ومركز "نعم نستطيع" يقدم خدمات التأهيل الشامل للأطفال ذوي الإعاقة العقلية والحركية، وتشمل خدمات العلاج الطبيعي والوظيفي، والتربية الخاصة، والرحلات الترفيهية، واجتماعات أولياء الأمور، وخدمات التغذية السليمة التي يعدها الشيف الأصم، و20 من المئة من العاملين فيه من ذوي الإعاقة، وفقًا لما قاله عابد لـ"فلسطين".

أما المصابون بإعاقات عقلية فبلغ عددهم في قطاع غزة 10 آلاف، بحسب إفادة عابد.

من جانب آخر ألحق جنود الاحتلال الإسرائيلي الإعاقة الحركية بـ94 جريحًا بترت أطرافهم إثر إصاباتهم بالرصاص المتفجر في أثناء مشاركتهم في مسيرات العودة السلمية، بحسب أرقام أوردها ائتلاف الناشطين لتبني قضايا الإعاقة.

وفي قطاع غزة تنحصر فرص العمل أمام هؤلاء إلى نسب ضئيلة جدًّا، وتكاد تنعدم، لكن منهم من استطاع تجاوز حالة الإعاقة والاستفادة مما بداخلهم من طاقة كشفت عن إبداعات كثيرين، مثل الشيف دهمان.