حريّ التأكيد على أن المجابهة الباسلة للفصائل الفلسطينية للعدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، خلخلت أسس الائتلاف الحكومي «الإسرائيلي» القائم إثر استقالة وزير الحرب ليبرمان. برغم أن نتنياهو استطاع المحافظة على إبقاء حكومته إثر تراجع نيفتالي بينيت، عن شرطه بتسلمه وزارة الحرب، الأمر الذي أبقى حجم تأييد الحكومة من الكنيست ب 61 عضواً، وهي أغلبية ضئيلة لا تضمن الاطمئنان لنتنياهو في الإبقاء على حكومته حتى موعد الانتخابات الدورية القادمة في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
سؤالان مهمّان أثارتهما المجابهة الباسلة: هل تلجأ (إسرائيل) لعدوان واسع النطاق على القطاع، أم تكتفي بضربات عسكرية محدودة؟ السؤال الثاني، هل ستجري انتخابات مبكرة في (إسرائيل) أم يلجأ نتنياهو لفعل المستحيل للإبقاء على حكومته؟
تواجه دويلة الاحتلال الآن، قوة ردع حقيقية تقيد حركتها العسكرية؛ فهي أمام أخطار مستقبلية، فقيامها بهجوم واسع النطاق على القطاع واحتلاله، سيكلفها غالياً في الخسائر البشرية التي تخشاها! وليس مضموناً أن تأتي نتائج العدوان، مطابقة لتوقعات ذوي الرؤوس الحامية في تل أبيب.
من ناحية أخرى، فإن 61% من الشارع الصهيوني (وفقاً لاستطلاع رأي أجرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»)، وهي نسبة الأكثر تطرفاً في (إسرائيل) تؤيد العدوان على غزة، وبعد توصل مصر إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين إثر اشتباكات امتدت يومين، تظاهر المتطرفون في مدن «إسرائيلية» عديدة، مطالبين نتنياهو باحتلال غزة، ما يعبّر عن أزمة سياسية شهدتها وتشهدها (إسرائيل)، لكن رئيس الوزراء دعا شركاءه في الائتلاف الحاكم إلى عدم إسقاط الحكومة، كما رفض الانتقادات الموجهة إليه في التعامل مع الفصائل الفلسطينية في القطاع، موضحاً أنه «في مثل هذه الظروف لا يوجد مكان للسياسة، ولا مكان للاعتبارات الشخصية»، وأضاف أن معظم مواطني (إسرائيل)، "يعلمون أنه عندما اتخذ قرارات بشأن الأوضاع الأمنية، فإنني أفعل ذلك بطريقة واقعية من أجل أمن وسلامة مواطنينا وجنودنا».
أيضا، فإن نتنياهو يواجه الآن امتحان تعزيز الثقة بحكومته، بعد أن اهتزت هيبة (إسرائيل) إثر فشل عدوانها الأخير على غزة، ما قد يدفعه لشن حرب جديدة على القطاع لتحقيق هذا الهدف. لكن غزة في الظروف الراهنة ليست كما كانت عليه في العام 2014، حيث: إن هناك واقعاً سياسياً وعسكرياً جديداً يفرض معادلات جديدة، قد تقلب حسابات نتنياهو من جديد رأساً على عقب.
تفاعل الصحفيون «الإسرائيليون» أكثر ما تفاعلوا مع موضوعي الحرب الواسعة المحتملة على غزة والانتخابات المبكرة، فكتب روغل الفر، في «هآرتس (18 /11 الحالي) يقول: «الإسرائيليون» هم شعب غبي، حسب الاستطلاعات، أغلبيتهم الحاسمة غير راضية عن الطريقة التي يعالج بها بنيامين نتنياهو التصعيد في غزة، أي أنهم يريدون الحرب، رغم أن عمليات «الرصاص المصبوب» و«عمود السحاب» و «الجرف الصامد»، حققت فقط هدوءاً مؤقتاً بثمن موت عشرات الجنود الشباب. هم يريدون حرباً أخرى كهذه، وإذا لم يكن بالإمكان لحرب كهذه، أن تحقق هدوءاً أطول، فهم يريدون حرباً أكبر تتضمن احتلال القطاع. حرب مع عدد أكبر من القتلى والمصابين والثكالى واليتّم والدموع». ويستطرد: «هؤلاء ليسوا فقط السياسيين الذين يثيرون الحرب، وبالتأكيد ليس الجنرالات، بل «الإسرائيليون» أنفسهم. هم لا يستطيعون العيش من دون ذلك».
حول الانتخابات المبكرة كتبت «هآرتس» افتتاحيتها، بقلم أسرة تحريرها بعنوان «على ماذا ستدور الانتخابات؟» قالت فيها: «بالتأكيد لن تدور الانتخابات المبكرة على النزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني، ولا على الاقتصاد، ولكن ربما على الفساد في مدة ولاية نتنياهو، وعلى تهديد الديمقراطية وعلى تشكيلة الائتلاف وشخصياته». أما المعلق سيفر يلوتسكر، فكتب مقالة بعنوان «عبث انتخابي» قال فيها: «على ماذا بالضبط ستكون الانتخابات، ليس على الاقتصاد، ليس على «المجتمع»، ولا حتى على السياسة تجاه الفلسطينيين؛ بل على شدة الضربة التي ينبغي تسديدها لقطاع غزة».
لعل من الحقائق التي أفرزها العدوان الصهيوني الأخير على القطاع، أن العدو الصهيوني لا يستجيب إلا للغة القوة والمقاومة المشروعة للشعوب المحتلة أراضيها! المقاومة القادرة على خلخلة أركان هذا الكيان الفاشي. وهي القادرة أيضاً على زيادة التناقضات العرقية والإثنية فيه. المقاومة القادرة على زيادة الهجرة العكسية منه وتقليل الهجرة إليه. المقاومة القادرة على زيادة محاصرته ومقاطعته وعزله دوليّاً. المقاومة القادرة على استنزافه بشرياً واقتصادياً وهي القادرة على إجباره على الاعتراف بحقوق شعبنا كاملة غير منقوصة، ومن هنا يبرز خطأ عقد هدنة رسمية معه.