يبدو المشهد السياسي داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي أكثر تعقيدًا وأشد غموضًا بالنسبة للبعض، بعدما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاحتفاظ بحقيبة الجيش لنفسه، بعد تعثر مشاوراته مع قادة أحزاب الائتلاف لإقناعهم بالعدول عن قرارهم الذهاب إلى انتخابات مبكرة للكنيست.
يسعى نتنياهو إلى إنقاذ حكومته عبر تحميل رئيس حزب البيت اليهودي الوزير "نفتالي بينيت" المسؤولية عن تفكيك حكومة اليمين، واختيار تغليب الخطاب الأمني والتلويح بفزاعة الأمن على السجال السياسي. ويراقب المجتمع الإسرائيلي القول الفصل لبينيت الذي اشترط البقاء في الحكومة بتكليفه حقيبة الجيش، في حين يناقش الكنيست مشاريع قوانين لحل الكنيست وتبكير الانتخابات.
نتنياهو في خطابه بعد انتهاء جولة المشاورات مع قادة أحزاب الائتلاف اعتبر أنه يقوم "بكل جهد لمنع الانتخابات المبكرة، لقد حان الوقت لتحمل المسؤولية، قلت لوزراء الائتلاف لا تجعلوا هذه الحكومة تسقط، خاصة في هذه اللحظة الأمنية الحساسة". وأضاف موجها حديثه لقادة أحزاب الائتلاف "من المحظور علينا إسقاط الحكومة وتكرار خطأ عام 1992 الذي جلب أوسلو وعام 1999 الذي جلب الانتفاضة، وآمل أن يستمر جميع شركائنا معنا من أجل أمن إسرائيل".
يسعى نتنياهو لتحسين صورته وتعزيز شعبيته في المجتمع الإسرائيلي التي تراجعت بعد تثبيت وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية، وشهدت استطلاعات الرأي عقب جولة التصعيد الأخيرة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، واستقالة وزير الجيش أفيغدور ليبرمان، انخفاضًا ملحوظًا في عدد مقاعد الكنيست لحزب الليكود الذي يرأسه نتنياهو.
حصل الليكود بموجب استطلاع القناة الثانية على 26 مقعدًا إن ترأس حزب "المعسكر الصهيوني" رئيس أركان الجيش الأسبق بيني غانتس الذي سيحصل على 24 مقعدا، مما يعني تراجع شعبية نتنياهو وتقويض هيمنته وسيطرته على الساحة السياسية، على الرغم من حقيقة أنه من الصعب رؤية كيف سيشكل أي من منافسي نتنياهو الحكومة المستقبلية.
إصرار نتنياهو على إبقاء الحكومة يبرره بأن تبكير الانتخابات يقلل إمكانية ومساحة المناورة أمامه في مواجهة التحديات والاختبار الأمني المحترق في قطاع غزة الذي بات يشكل إزعاجا. ومع تزايد فرص إجراء انتخابات مبكرة، فإن الاعتبارات الأمنية والسياسية تختلط أكثر من الأوقات العادية، فرئيس الوزراء جند بالفعل الجيش للدفاع عنه وعن نهجه حين أجبر قبل أيام رئيس أركان الجيش غادي أيزنكوت ورئيس القيادة الجنوبية هرتسي هاليفي على الانضمام إليه في اجتماعه مع رؤساء السلطات المحلية بالجنوب، حيث تقرر رصد ميزانيات إضافية للتجمعات السكنية في "غلاف غزة".
مصادر سياسية إسرائيلية توقعت يعلن الوزيران نفتالي بينيت وأييليت شاكيد استقالتيهما قريبًا مما يعني حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، على الرغم من الضغوط التي تمارس عليهما للبقاء في الائتلاف الحكومي.
معضلة بينيت وشاكيد أصبحت أكثر حدة بعد إعلان نتنياهو الاحتفاظ بحقيبة الجيش لنفسه، وقالت المصادر السياسية "إذا خضع بينيت وشاكيد للضغوط فسيكون هذا التراجع الأكثر بروزا في ولاية هذه الحكومة، ومن شأن ذلك أن يمس بشعبية حزب البيت اليهودي الذي يمثل اليمين المتطرف ويظهر أن رئيسه بينيت غير ناضج بما فيه الكفاية ليكون قياديا".
واقع الحال أن خطاب نتنياهو بمثابة مصيدة للوزيرين بينيت وشاكيد اللذين من المحتمل أن يسيرا باتجاه خطأ سياسي هائل إن أعلنا الاستقالة من الحكومة بسبب عدم تولي بينيت حقيبة الجيش التي احتفظ بها نتنياهو لنفسه. فنتنياهو نسج حول بينيت وشاكيد شبكة معقدة من الحجج المصممة لإجهاض أسباب الاستقالة والانتخابات المبكرة.
الانطباع في مكتب رئيس الوزراء أن وزير المالية رئيس كتلة "كولانو" موشيه كحلون يبدي تراجعا في موقفه ويبدي استعدادا للتوصل إلى تفاهمات مع نتنياهو بشأن موعد الانتخابات إن أوصى كحلون أعضاء الكنيست في كتلته بعدم التصويت على حل الكنيست، مما يعني أن معضلة بينيت وشاكيد ستكبر. لكن على الأرجح قرار حزب البيت اليهودي لن يتغير وهو في طريقه للخروج من الحكومة، وكيان الاحتلال على وشك البدء في حملة انتخابية.
من جانبه، كتب المحلل السياسي بن كسبيت مقالا في صحيفة معاريف قال فيه إن "نتنياهو يخشى من إجراء الانتخابات في الوقت الحاضر، لأنه سيخوضها وهو بحالة سيئة كونه على دراية بما تشير إليه استطلاعات الرأي بخصوص توزيع المقاعد بين الأحزاب".
بانسحاب "إسرائيل بيتنا" بزعامة وزير الجيش المستقيل ليبرمان، فإن الائتلاف الحكومي يضم الآن خمسة أحزاب، هي -إضافة إلى الليكود- "البيت اليهودي" برئاسة بينيت، و"شاس" برئاسة وزير الداخلية أرييه درعي، و"كُلنا" برئاسة كحلون، و"يهودوت هتوراه" برئاسة يعقوب ليتسمان نائب وزير الصحة. وينص القانون الإسرائيلي على إجراء الانتخابات بعد 90 يوما من حل الحكومة. وترجح وسائل إعلام إسرائيلية أنه في حال اتخاذ قرار بتبكير الانتخابات، فإنها ستجري في مارس/ آذار المقبل. علما بأن ولاية الكنيست الحالي تنتهي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
يريد "آخر ملوك إسرائيل" (نتنياهو) أن يحافظ على رباطة جأشه في مواجهة الأعاصير التي تعصف بالحكومة الإسرائيلية، لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يقدم أي تنازلات لحفائه في الحكومة والائتلاف الحاكم قد يقوي مواقفهم في الانتخابات المقبلة التي يدرك تمامًا أنه في الطريق إليها مهما حصل، وفي نفس الوقت، يصر على الاحتفاظ بالحقيبة التي تصنع أمجاد قادة كيان الاحتلال "حقيبة الجيش" التي من شأنها تعزيز موقف حزبه "الليكود" في حال الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فهل سيدفع نتنياهو حلفاءه لإصدار قرار إعدام حكومته والتنصل من مسؤولية العدوان الأخير على غزة، للحفاظ على حظوظه في الانتخابات المقبلة والقادمة بأي حال؟