السؤال الذي يراود المتابعين: هل سترتدع دولة الاحتلال عن تنفيذ أعمال مشابهة في المستقبل؟ وهل نتنياهو صادق على العملية أم لا؟
تاريخ العدو مع العمليات خلف خطوط "الأعداء" طويل، وإصراره على تنفيذها شديد؛ حيث إن كل القوات الخاصة المميزة في جيشه أمثال (سييرت متكال) و(شييتت 13) و(الرفرف) و(ماجلان) و(دوڤدوڤان) و(شمشوم) و(رمون) وقائمة طويلة منها من دُمج في وحدات أخرى، ومنها ما زال قائمًا فاعلًا حتى اللحظة، وكل هذه الوحدات رُصدت لها ميزانيات هائلة، وخُصصت مهماتها في مجالات التصفية والخطف والتخريب والتصنت والاختراق وكل وسائل جمع المعلومات.
جهاز المخابرات الخارجية (الموساد) تقترب ميزانيته من 3 مليارات شيكل، كل هذه الأموال تُضخ على فرقة (كدون) الخاصة بالتصفية ووحدة جمع المعلومات وتقدير الموقف وسياسة الجهاز في كل المجالات خارج فلسطين، فالمبلغ الفلكي الهائل للميزانيات الذي لا يُحدَّد؛ مفتوح، لكن يصل في النهاية في كل عام إلى هذا الرقم الهائل يؤشر بشكل واضح على إصرار العدو على تبني هذه السياسة وانتهاج هذا المنهج في معرفة الآخر من خلال الحصول على المعلومات والتأثير على سلوكه من خلال التصفيات الجسدية وكي الوعي.
منذ قيام دولة الاحتلال وهي تمارس هذا الدور وتقع بأخطاء وتدفع أثمانًا غالية جدًا جراء هذه الاعتداءات خلف الخطوط وفي جبهة "الأعداء" منذ الخمسينات في فضيحة "لڤون" في مصر واغتيال الجرسون المغربي في بلجيكا، واعتقال رجال الموساد في قبرص، واغتيال رجلي الموساد في النمسا أثناء مطاردة السفير الإيراني، وعملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الأردن، وعملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دبي، وعمليات الناصرية وصور والبقاع وصيدا والتي قُتل فيها جنود من سييرت متكال وشييتت 13 واعتقال أعضاء في الموساد، وأخيرًا وليس آخرًا عملية خان يونس.
هذه النماذج بارزة لكنها جزء بسيط من إخفاقات أجهزة مخابرات العدو ووحداته الخاصة، والعمليات التي نُفذت في عمق أراضي "العدو" من قبل هذه القوات الإجرامية ودلت آثارها ونتائجها على أن المستفيد الوحيد منها دولة الاحتلال تعد بالمئات، والعمليات التي لم تترك أثرًا، ولم نسمع بها، أو تستر عليها من نُفذت في أراضيه فهي كثيرة جدًا من خلال ما يُكشف لاحقًا في سِيَر رجال المخابرات وضباط الوحدات الخاصة.
إن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها دولة الاحتلال على مدار تاريخها في الأرواح والخبرات وعلى مستوى سياسي واقتصادي لم تردعها ولم تثنها عن الاستمرار ومواصلة هذا الطريق، ولن تردعها عن الاستمرار في المستقبل. وإن هذه العمليات لا يمكن أن تُنفذ إلا بموافقة رئيس الجهاز الذي تتبع له الوحدة المنفِّذة ووزير "الدفاع" ورئيس الوزراء.
الأمر الذي يثير التساؤل كيف لنتنياهو قبل الانتخابات وفي ظل تطبيق استراتيجية جديدة بلورها الجيش وآمن في تنفيذها بموافقة رؤساء الأجهزة الأمنية تتحدث عن تخفيف الحصار عن غزة وتحسين الاقتصاد ورفع مستوى الخدمات والبنية التحتية في إطار خطة لمنع اندلاع حرب رابعة؟ إن مثل هذه العمليات التي نُفذت وأُفشلت في خان يونس تستغرق عملًا متواصلًا يتجاوز أشهرًا وأحيانًا سنوات في الإعداد والتجهيز والتحضير والتجنيد والاستئجار والتهريب والتركيب وتحديد الأماكن وبناء المسرح ودراسة البيئة واختيار التوقيت والمكان. كل هذا جهد متراكم ومتواصل مبني بعضه على بعض، فلا يمكن أن يتم تعطيل جهد استراتيجي تترتب عليه نتائج استراتيجية بالغة الأهمية مقابل هدف تكتيكي غير مضمون النجاح قد يفضي إلى تحقيق هدف استراتيجي.
كما أن تعقيدات الانسحاب والتراجع وخطورة كشفها لا تقل عن مخاطر افتضاحها في حال استمرارها، لذا عندما صادق نتنياهو على استمرار هذه العملية المركبة والخطيرة والتي لم نقف حتى الآن على كامل حجمها وأطراف ذيولها لم يخاطر إلا في واحد بالمئة، وكان يراهن على ال99% في استمرار نجاحها، لأن هذه العملية بالتأكيد لم تبدأ من لحظة إفشالها، على الأقل في أجزاء مهمة تتعلق بحركة أشخاص ومعدات وبيئة مناسبة وأدوات مساندة عززت الطمأنينة لدى نتنياهو للمخاطرة باستمرارها بالرغم من تعهداته للمقاومة نُقلت عن طريق عدة دول، الأمر الذي يشرعن ردة فعل المقاومة ويزعزع الثقة بتعهدات العدو أمام الدول الوسيطة.
لكن إرادة الله كانت نافذة، ونباهة ويقظة المقاومة وانتشارها وإجراءاتها الأمنية في الداخل وعلى الحدود حاضرة، وقد أفشلت هذه النوايا الإجرامية التي سترافق اليهود الصهاينة ما داموا كيانًا يحكم ويرسم ويخطط وينفذ، فإن صفاتهم الموصوفين بها في القرآن أنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، وعنادهم وتعنتهم وكثرة أسئلتهم واستفسارهم، وجبنهم وحبهم للحياة وحرصهم عليها، قساوة قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة، مغرورون ومتكبرون، قتلهم الأنبياء، نقضهم العهود والمواثيق، تفرقهم واختلافهم، تجعلهم يكررونها لكن بشكل آخر وأدوات مختلفة تؤدي إلى نفس النتائج.