فلسطين أون لاين

​الأدوية.. شريان مرضى غزة المبتور!

...
نقص حاد في الأدوية بقطاع غزة بفعل الحصار (أرشيف)
غزة - أدهم الشريف

كانت تقفز عاليًا فرِحة وقد تطاير شعرها وهي تمسك لعبتين صغيرتين وتألقت ابتسامتها لتملأ وجهها ناصع البياض، ومع ذلك تداخلت ألوان ملابسها لتصنع لوحة في غاية الجمال لطفلةٍ امتلكت وسيلة للترفيه عن نفسها، لكنها في الحقيقة لم تكن إلا رسمة على ورقة كرتونية أتقنت الطفلة ديما الأشقر كيف تجعلها لوحة تكاد تنطق.

لكن ما يفرق الرسمة الكرتونية عن ديما، أن الأخيرة قد تساقط شعر رأسها بعد 8 أشهر من إصابتها بالسرطان، ولم يعد هناك شعر يتطاير حينما تلعب.

على أحد أسرة العلاج في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي شمالي مدينة غزة، كانت ديما (8 أعوام) تجلس بهدوء كامل تداعب نفسها ببعض الألعاب والرسومات، وعندما اقتربت منها وسألتها كيف حالك؟ ردت بابتسامة خفيفة ممزوجة بمرارة ألم طلَّ من عينيها الغائرتين: الحمد لله.

وتعاني الطفلة من سرطان الدم الذي أصاب جسدها الغض في أبريل/ نيسان الماضي، ومنذ ذلك الحين، انقلبت حياتها رأسًا على عقب، كما تقول جدتها باسمة سلامة.

ولم يرهق المرض صاحبته ديما وحدها، بل زاد من أعباء عائلتها التي تسكن في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وتأتي باستمرار إلى مستشفى الرنتيسي بغزة، من أجل علاج ابنتها.

ليس ذلك فحسب، إذ بسبب نقص الأدوية وفقدان بعضها تضطر العائلة إلى شرائه على نفقتها الخاصة من أجل إكمال علاج ابنتها؛ وفقًا لقول باسمة التي ترافق حفيدتها لصحيفة "فلسطين".

وتقول وزارة الصحة بغزة إن مستشفياتها تعاني من نقص حاد في أدوية ضرورية، ومستهلكات طبية.

وهذا ما لا تتمنى نجوان أبو شعبان استمراره خشية على ابنتها حور (4 أشهر ونصف الشهر) التي تخضع للعلاج في قسم أمراض القلب بمستشفى الرنتيسي.

وتقول لـ"فلسطين": إن حور مصابة بـ"متلازمة داون"، ولديها ثقب في القلب، وضيق في الأورطي، وتضخم في البطين الأيسر.

وأضافت الأم: "أخاف أن ينقص الدواء يومًا ما وحياة ابنتي حور معلقة عليه، وفقدانه سيؤدي لوفاتها فورًا".

إلا أن عدم توفر الأدوية اللازمة في المستشفيات بالنسبة للمواطنة فدوى البردويل، يعني مزيدًا من الأعباء المالية شهريًّا ومزيدًا من الديون.

وترافق فدوى نجلها زياد (12 عامًا)، المريض بسرطان الدم، وأورام في العظم، ومشاكل في الدماغ والكلى.

وتضيف لـ"فلسطين" أن تكلفة الأدوية اللازمة لنجلها تزيد على 200 دولار شهريًّا، ولم يعد باستطاعة ولي أمره توفيره.

وكانت الأمراض داهمت الطفل زياد في شهر واحد، قبل قرابة سنة ونصف قضاها متنقلًا على أسرة العلاج في مستشفيات غزة.

وقال مدير مستشفى الرنتيسي التخصصي الطبيب محمد أبو سلمية، إن المستشفى متخصص في علاج الأمراض المزمنة عند الأطفال والسرطان والأورام وغسيل الكلى والأعصاب والقلب، وكذلك الأمراض الوراثية، موضحًا أنه يعالج مرضى السرطان من الكبار أيضًا.

ونبَّه لـ"فلسطين" إلى أن الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد على 12 سنة، أثر في القطاع الصحي، وحال دون توفير الكثير من الأدوية والمستهلكات الطبية.

وأشار أبو سلمية إلى أن مرضى سرطان بغزة يحرمون من العلاج في كثير من الأحيان، ويمنعون من السفر للخارج بغرض العلاج، وأصبح بعضهم بذلك غير قادر على العلاج في القطاع أو خارجه، وفقدنا عددًا منهم على أسرة المستشفيات.

وأضاف أن 40- 50 بالمئة من الأصناف الدوائية غير متوفرة في مستشفى الرنتيسي، وهذا الأمر يتطلب وقفة من الجميع لإبعاد القطاع الصحي عن أي تجاذبات، حتى يحصل المرضى على حقهم في العلاج.

وقبل أيام اجتمع وزراء حكومة الحمد الله في غزة مع المسؤولين في وزارة الصحة، لبحث ملف نقص الأدوية، في حين تحدث وزير العمل مأمون أبو شهلا، عن أن وفد الحكومة طلب من الوازرة قائمة بالأدوية الملحة والمهمة المستعجلة غير المتوفرة في مخازن ومرافق الوزارة بغزة من أجل توفيرها.

ويعلِّق المرضى وأهاليهم آمالهم هذه المرة على اجتماع الوزراء الثلاثة مع الصحة، وما يمكن أن يلحق ذلك من نتائج إيجابية تؤدي إلى إنهاء الأزمة بالكامل.